ولما أجمل أمره كله في هاتين الآيتين، شرع في تفصيله فقال مشيراً إلى مباردتهم إلى العناد من غير توقف أصلاً التي أشار إليها حذف المبتدأ والاقتصار على الخبر الذي هو محط الفائدة :﴿فلما جاءهم﴾ أي موسى عليه السلام ﴿بالحق﴾ أي بالأمر الثابت الذي لا طاقة لأحد بتغيير شيء منه كائناً ﴿من عندنا﴾ على ما لنا من القهر، فآمن معه طائفة من قومه ﴿قالوا﴾ أي فرعون وأتباعه ﴿اقتلوا﴾ أي قتلاً حقيقياً بإزالة الروح ﴿أبناء الذين آمنوا﴾ أي به فكانوا ﴿معه﴾ أي خصوهم بذلك واتركوا من عداهم لعلهم يكذبونه ﴿واستحيوا نساءهم﴾ أي اطلبوا حياتهن بأن لا تقتلوهن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠٢
ولما كان هذا الأمر صاداً في العادة لمن يؤمن عن الإيمان وراداً لمن آمن إلى الكفران، أشار إلى أنه سبحان خرق العادة بإبطاله فقال :﴿وما﴾ أي والحال أنه ما كيدهم - هكذا كان الأصل ولكنه قال :﴿كيد الكافرين﴾ تعميماً وتعليقاً بالوصف ﴿إلا في ظلال﴾ أي مجانبة للسدد الموصل إلى الظفر والفوز لأنه ما أفادهم أولاً في الحذر من موسى عليه السلام ولا آخراً في صد من آمن به مرادهم، بل كان فيه تبارهم وهلاكهم، وكذا أفعال الفجرة مع أولياء الله، ما حفر أحد منهم لأحدم منهم حفرة مكر إلا أركبه الله فيها.
ولما أخبر تعالى بفعله بمن تابع موسى عليه السلام، أخبر عن فعله معه بما علم به أنه عاجز فقال :﴿وقال فرعون﴾ أي أعظم الكفرة في ذلك الوقت لرؤساء أتباعه
٥٠٥


الصفحة التالية
Icon