أي المحسن إلينا أجمعين، فأرسلني لاستنقاذكم من أعداء الدين والدنيا ﴿من كل متكبر﴾ أي عاتٍ طاغ متعظم على الحق هذا وغيره ﴿لا يؤمن﴾ أي لا يتجدد له تصديق ﴿بيوم الحساب*﴾ من ربه بما لا يحكم على نفسه، ومعنى العوذ أنه لا وصول لأحد منهم إلى قتلي بسبب عوذي، هذا أمر قد فرغ منه مرسلي لخلاصكم، القادر على كل شيء.
ولما انقضى كلام الرأسين، وكانت عادة من لم يكن لهم نظام من الله رابط أن قلوبهم لا تكاد تجتمع وأنه أن يجاهر بعضهم بما عنده ولو عظم شأن الملك القائم بأمرهم، واجتهد في جميع مفترق علنهم وسرهم، قال تعالى مخبراً عن كلام بعض الأتباع في بعض ذلك :﴿وقال رجل﴾ أي كامل في رجوليته ﴿مؤمن﴾ أي راسخ الإيمان فيما جاء به موسى عليه السلام.
ولما كان للإنسان، إذا عم الطغيان، أن يسكن بين أهل العدوان، إذا نصح بحسب الإمكان، أفاد ذلك بقوله :﴿من آل فرعون﴾ أي وجوههم ورؤسائهم ﴿يكتم إيمانه﴾ أي يخفيه إخفاءاً شديداً خوفاً على نفسه لأن الواحد إذا شذ عن قبيلة يطمع فيه ما لا يطمع إذا كان واحداً من جماعة مختلفة، مخيلاً لهم بما يوقفهم عن الإقدام على قتله من غير تصريح بالإيمان.
ولما رآهم قد عزموا على القتل عزماً قوياً أوقع عليه اسم القتل، فقال منكراً له غاية الإنكار :﴿أتقتلون رجلاً﴾ أي هو عظيم في الرجال حساً ومعنى، ثم علل قتلهم له بما ينافيه فقال :﴿أن﴾ أي لأجل أن ﴿يقول﴾ ولو على سبيل التكرير :﴿ربي﴾ أي المربي لي والمحسن إليّ ﴿الله﴾ أي الجامع لصفات الكمال ﴿وقد﴾ أي والحال أنه قد ﴿جاءكم بالبينات﴾ أي الآيات الظاهرات من غير لبس ﴿من ربكم﴾ أي الذي لا إحسان عندكم إلا منه، وكما أن ربوبيته له اقتضت عنه الاعتراف بها فكذلك ينبغي أن تكون ربوبيته لكم داعية لكم إلى اعترافكم له بها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠٦


الصفحة التالية
Icon