ولما كان فرعون قد نسب موسى عليه الصلاة والسلام بما زعمه من إرادته إظهار الفساد إلى الإسراف بعد ما نسبه إليه من الكذب، علل هذا المؤمن قوله هذا الحسن في شقي التقسيم بما ينطبق إلى فرعون منفراً منه مع صلاحيته لأرادة موسى عليه الصلاة والسلام على ما زعمه فيه فرعون فقال :﴿إن الله﴾ أي الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز ﴿لا يهدي﴾ أي إلى ارتكاب ما ينفع واجتناب ما يضر ﴿من هو مسرف﴾ أي بإظهار الفساد متجاوز للحد، وكأنه رضي الله عنه جوز أن يتأخر شيء مما توعد به فيسموه كذباً، ولذا قال ﴿يصبكم بعض الذي يعدكم﴾ فعلق الأمر بالمبالغة فقال :﴿كذاب*﴾ لأن أول خذلانه تعمقه في الكذب، ويهدي من هو مقتصد صادق، فإن كان كاذباً كما زعمتم ضره كذبه، ولم يهتد لوجه يخلصه، وإن كان صادقاً أصابتكم العقوبة ولم تهتدوا لما ينجيكم، لاتصافكم بالوصفين.
٥٠٨
ولما خيلهم بهذا الكلام الذي يمكنه توجيهه، شرع في وعظهم إظهاراً للنصيحة لهم والتحسر عليهم فقال مذكراً لهم بنعمة الله عليهم محذراً لهم من سلبها مستعطفاً بذكر أنه مهم :﴿يا قوم﴾ وعبر بأسلوب الخطاب دون التكلم تصريحاً بالمقصود فقال :﴿لكم الملك﴾ ونبه على ما يعرفونه من تقلبات الدهر بقوله :﴿اليوم﴾ وأشار إلى ما عهدوه من الخذلان في بعض الأزمان بقوله :﴿ظاهرين﴾ أي غالبين على بني إسرائيل وغيرهم، وما زال أهل البلاء يتوقعون الرخاء، وأهل الرخاء يتوقعون البلاء، ونبه على الإله الواحد القهار الذي له ملك السماوات فملك الأرض من باب الأولى، بقوله معبراً بأداة الظرف الدالة على الاحتياج ترهيباً لهم :﴿في الأرض﴾ أي أرض مصر التي هي لحسنها وجمعها المنافع كالأرض كلها، قد غلبتم الناس عليها.


الصفحة التالية
Icon