ولما ذكر صفة الرحيمية صريحاً لأقتضاء المقام إياها، أشار إلى صفة الرحيمية فقال :﴿الذي أحسن كل شيء﴾ ولما كان هذا الإحسان عاماً، خصه بأن وصفه - على قراءة المدني والكوفي - بقوله :﴿خلقه﴾ فبين أن ذلك بالإتقان والإحكام، كما فسر ابن عباس رضي الله عنهما من حيث التشكيل والتصوير، وشق المشاعر، وتهيئة المدارك، وإفاضة المعاني، مع الفارقة في جميع ذلك، وإلى هذا أشار الإبدال في قراءة الباقين، وعبر بالحسن لأن ما كان وجه الحكمة كان حسناً وإن رآه الجاهل القاصر قبيحاً.
ولما كان الحيوان أشرف الأجناس، وكان الإنسان أشرفه، خصه بالذكر ليقوم دليل الوحدانية بالأنفس كما قام قبل الآنفاق، فقال دالاً على البعث :﴿وبدأ خلق الإنسان﴾ أي الذي هو المقصود بالخطاب بهذا القرآن ﴿من طين﴾ أي مما ليس له أصل في الحياة بخلق آدم عليه السلام منه.
ولما كان قلب الطين إلى هذا الهيكل على هذه الصورة بهذه المعاني لأمراً هائلاً، أشار إليه بأداة البعد في قوله :﴿ثم جعل نسله﴾ أي ولده الذي ينسل أي يخرج ﴿من سلاسة﴾
٥٢
أي من شيء مسلول، أي منتزع منه ﴿من ماء مهين﴾ أي حقير وضعيف وقليل مراق مبذول، فعيل بمعنى مفعول، وأشار إلى عظمة ما بعد ذلك من خلقه وتطويره بقوله :﴿ثم سواه﴾ أي عدله لما يراد منه بالتخطيط والتصوير وإبداع المعاني ﴿ونفخ فيه من روحه﴾ الروح ما يمتاز به الحي من الميت، الإضافة للتشريف، فيا له من شرف ما أعلاه إضافته إلى الله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٢