ولما كان هذا أمراً عجيباً، وهو كون أحد يظن أنه يخيل للعقول أنه يصعد إلى السماء، وأن الإله الذي هو غني عن كل شيء وقد كان ولا شيء معه يكون في السماء، أو في محل من المحال، فإن كل حال في شيء يحتاج إلى محله، وكل محتاج عاجز ولا يصلح العاجز للإلهية لو لم يجئ عن الله لما كان أهلاً لأن يصدق، فكان التقدير : عمله فرعون لأنا زيناه له، عطف عليه زيادة في التعجيب :﴿وكذلك﴾ أي ومثل ذلك التزيين العظيم الشأن اللاعب بالألباب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥١٣
ولما كان الضار هو التزيين لا المزين الخاص، بناه للمفعول فقال :﴿زين﴾ أي زين المزين النافذ الأمر، وهو لله تعالى حقيقة بخلقه وإلزامه لأن كل ما دخل في الوجود من المحدثات فهو خلقه، والشيطان مجازاً بالتسبب بالوسوسة التي هي خلق الله تعالى ﴿لفرعون سوء عمله﴾ في جميع أمره، فاقبل عليه راغباً فيه مع بعده من عقل أقل ذوي العقول فضلاً عن ذوي الهمم منهم فضلاً عن الملوك، وأطاعة فيه وقومه ﴿وصُد﴾ بنفسه ومنع غيره على قراءة الفتح، ومنعه الله - على قراءة الكوفيين ويعقوب بالضم ﴿عن السبيل﴾ أي التي لا سبيل في الحقيقة غيرها، وهو الموصلة إلى الله تعالى.
ولما كان هذا السياق بحيث يظن منه الظان أن لفرعون نوع تصرف، نفي ذلك بقوله :﴿وما كيد﴾ واعاد الاسم ولم يضمره لئلا يخص بخيثية من الحيثيات فقال :﴿فرعون﴾ أي في إبطال أمر موسى عليه السلام ﴿إلا في تباب*﴾ أي خسار وهلاك عظيم محيط به لا يقدر على الخروج منه، وما تعطاه إلا لأنه محمول عليه ومقهور فيه، كما كشف عنه الحال، فدل ذلك قطعاً على أنه لو كان له أدنى تصرف يستقل به لما أنتج فعله الخسار.
٥١٥


الصفحة التالية
Icon