ولما ذكر خوفهم الذي لا يحميهم منه شيء ذكر خوفه الذي هو معتمد فيه على الله ليحيمه منه فقال عاطفاً على " ستذكرون " غير مراعى فيها معنى السين :﴿وأفوض﴾ أي أنا الآن بسبب أنه لا دعوة لغير الله ﴿أمري﴾ فيما تمكرونه بي ﴿إلى الله﴾ أي الذي أحاط بكل شيء علماً وقدرة فهو يحميني منكم : إن شاء، قال صاحب المنازل : التفويض ألطف إشارة وأوسع من التوكل بعد وقوع السبب، والتفويض قبل وقوعه وبعده، وهو عين الاستسلام، والتوكل شعبة
٥١٩
منه، وهو على ثلاث درجات : الأولى أن تعلم أن العبد لا يملك قبل علمه استطاعة، فلا يأمن من مكر، ولا ييأس من معونة، ولا يعول على نية، والثانية معاينة الاضطرار فلا ترى عملاً منجياً ولا ذنباً مهلكاً ولا سبباً حاملاً، والثالثة شهود انفراد الحق بملك الحركة والسكون والقبض والبسط والتفريق والجمع.
ولما علق تفويضه بالاسم العلم الجامع المقتضي للإحاطة، على ذلك بياناً لمراده بقوله مؤكداً لأن عملهم في مكرهم به عمل من يظن أن سبحانه لا يبصرهم ولا ينصره ﴿إن الله﴾ وكرر الأسم الأعظم بياناً لمراده بأنه ﴿بصير﴾ أي بالغ البصر ﴿بالعباد*﴾ ظاهراً وباطناً، فيعلم من يستحث النصرة لاتصافه بأوصاف الكمال ويعلم من يمكر فيرد مكره عليه بما له من الإحاطة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥١٧


الصفحة التالية
Icon