ولما كان أمرهم بالدعاء موجياً لأن يظنوا نفعه، أتبعوه بما أيأسهم لأن ذلك أنكأ وأوجع وأشد عليهم وأفظع بقولهم :﴿وما﴾ دعاؤكم - هكذا كان الأصل، ولكنه أتى بالوصف تعليقاً للحكم به فقال :﴿دعاءُ الكافرين﴾ أي الساترين لمرائي عقولهم عن أنوار العقل المؤيد بصحيح النقل ﴿إلا في ظلال*﴾ أي ذهاب في غير طريق موصل كما كانوا هم في الدنيا فإن الدنيا مزرعة الآخرة، من زرع شيئاً في الدنيا حصده في الآخرة، والآخرة ثمرة الدنيا إلا من جنس ما غرس في الدنيا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٢٠
ولما كان حاصل ما مضى من هذا القص الذي هو أحلى من الشراب، وأ إلى من الجوهر المنظم في أعناق الكواعب الأتراب، لأنه سحبانه نصر الرسل على أممهم حين هموا بأخذهم، فلم يصلوا إليهم ثم أهلكهم الله هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فعذبهم أشد العذاب، وكذلك نصر موسى عليه السلام والمؤمن الذي دافع عنه، وكان نصر اهل الله قاطبة خفياً، لأنهم يُبتلون ثم يكون لهم العاقبة، فكان أكثر الجامدين وهم أكثر الناس يظن أنه لا نصره لهم، قال الله تعالى لافتاً القول إلى مظهر العظمة، لأن النصرة عنها تكون على سبيل الاستنتاج مما مضى مؤكداً تنبيهاً للأغبياء على ما يخفى عليهم :﴿إنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿لننصر رسلنا﴾ أي على من نأوأهم ﴿والذين آمنوا﴾ أي اتسموا بهذا الوصف وإن كان في أدنى رتبة.
ولما كانت الحياة تروق وتحلو بالنصرة وتتكدر بضدها، ذكرها لذلك ولئلا يتوهم لو سقطت أن نصرتهم رتببتها دنية فقال :﴿في الحياة الدنيا﴾ بالزامهم طريق الهدى الكفيلة بكل فوز وبالحجة والغلبة، وإن غلبوا في بعض الأحيان فإن العاقبة تكون
٥٢٣


الصفحة التالية
Icon