لما فيهم من سلامة الطبع وسلاسة الانقياد لبراهين العقل والسمع وحدة الأذهان وفصاحة اللسان وصحة الأفكار وبعد الأغوار، وفي هذا تبكيت لهم في كونهم لا ينظرون محاسنه فيهتدوا بها كما يعتنون بالنظر في القصائد حتى يقضوا لبعضها على بعض حتى أنهم ليعلقون بعضها على الكعبة المشرفة تشريفاً له، وفيه حث لهم - وهم أولو العزائم الكبار - على العلم بع ليغتنوا عن سؤال اليهود، وفيه بشرى بأنه تعالى يهب العرب بعد هذا الجهل علماً كثيراً، وعن هذا الكفر إيماناً عظيماً كبيراً، وفي الآية إشارة إلى ذم المقترحين المشار إليهم آخر التي قبلها بأنهم قد أتاهم ما أغناهم عنه من آيات هذا الكتاب الذي عجزوا عن مباراته، ومناظرته ومجاراته وذلك في غاية الغرابة، لأنه كلام من جنس كلامهم في كونه عربياً، وقد خالفت كلامهم وأسجاعهم، مع كونه ليس شعراً ولا سجعاً أصلاً ولا هم من أنواع نثرهم، ولا من ضروب خطبهم، فعجزوا عن الإيتان بشيء من مثله في مر الأحقاب وكر الدهور والأعضار، وكفى بذلك معجزة شديدة الغرابة بمن ينيب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٤٧
ولما كان حال الإنسان إن مال إلى جانب الخوف الهلع أو إلى جانب الرجاء البطر، فكان لا يصلحه إلا الاعتدال، بالتوسط الموصل إلى الكمال، بما يكون لطبعه بمنزلة حفظ الصحة ودفع المرض لبدنه، قال واصفاً لـ " قرآناً " ﴿بشيراً﴾ أي لمن اتبع ﴿ونذيراً﴾ أي لمن امتنع فانقطع.


الصفحة التالية
Icon