ولما تسبب عن هذا القول الصادق أنه لا محيص عن عذابهم، قال مجيباً لترققهم إذ ذاك نافياً لما قد يفهمه كلامهم من أنه محتاج إلى العبادة :﴿فذوقوا﴾ أي ما كنتم تكذبون به منه بسبب ما حق معي من القول ﴿بما﴾ أي بسبب ما ﴿نسيتم لقاء يومكم﴾ الذي تحاسبون فيه ويظهر فيه العدل - عمل الناسي له مع أنه مركوز في طباعكم أنه لا يسوغ لذي علم وحكمة أن يدع عبيده يمرحون في أرضه ويتقلبون في رزقه، ثم لا يحاسبهم على ذلك وينصف مظلومهم، فكان الإعراض عنه مستحقاً لأن يسمى نسياناً من هذا الوجه أيضاً ومن جهة أنه لما ظهر له من البراهين، ما ملأ الأكوان صار كأنه ظهر، وروي ثمّ نسي.
ثم علل ذوقهم لذلك أو استانف لبيان المجازاة به مؤكداً في مظهر العظمة قطعاً لأطماعهم في الخلاص، ولذا عاد إلى مظهر العظمة فقال :﴿إنا نسيناكم﴾ أي عاملناكم بما لنا من العظمة ولكم من الحقارة معاملة الناسي، فأوردنا
٥٦
النار كما أقسمنا لأه ليس أحد إلا يردها، ثم أخرجنا أهل ودنا وتركناهم فيها ترك المنسي.
ولما كان ما تقدم من أمرهم بالذوق مجملاً، بينه بقوله مؤكداً له :﴿وذوقوا عذاب الخلد﴾ أي المختص بأنه لا آخر له.
ولما كان قد خص السبب فيما مضى، عم هنا فقال :﴿بما كنتم﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿تعلمون*﴾ من أعمال من لم يخف أمر البعث ناوين أنكم لا تنفكون عن ذلك.