ولما كانت السماوات أعظم من الأرض في ذاتها بنور أبنيتها واتساعها وزينتها ودوران أفلاكها وارتفاعها، نبه على ذلك بالتعبير بأداة التراخي، ولفظ الاستواء وحب الغاية الدال على عظيم العناية فقال :﴿ثم استوى﴾ أي قصد قصداً هو القصد منتهياً قصده ﴿إلى السماء وهي﴾ أي والحال أنها ﴿دخان﴾ بعد ما فتقها من الأرض، قالوا : كان ذلك الدخان بخار الماء فهو مستعار من المرتفع من النار، وهو تشبيه صوري، فالسماء متقدمة في الدخانية على الأرض، تقدم الذكر على الأنثى ثم خلقت ذات الرض وبعد تصوير السماء أولاً إيجاداً وتتميماً لتسوية السماء بعد أن كانت دخاناً، ويومان لتتميم المنافع فتداخلت الأعداد لتداخل الأفعال، ﴿فقال لها﴾ أي عقب مقارنتين لما قدرته فيكما وأردته منكما من إخراج المنافع من المياه والنبات والمعادن وغيرها، ووضع المصدر موضع الحال مبالغة فقال :﴿طوعاً أو كرهاً﴾ أي طائعين أو كارهتين في إخراج ما أودعتكما من الأمانة في أوقاتها وعلى ما ينبغي من مقاديرها وهيآتها طوع تسخير لا تكليف ﴿قالتا أتينا﴾ أي نحن وما فينا ما بيننا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٥٣
ولما جعلهما موضع المخاطبة للتي هي للعقلاء والتكلم، قال جامعاً لهما باعتبار أفرادهما وما فيهما جمع من يعقل :﴿طائعين*﴾ أي في كل ما رسمته فينا لا نحمل من ذلك شيئاً بل نبذله على ما أمرت به لا نغير ولا نبدل، وذلك هو بذلهما للأمانة، وعدم حملها، وجمع الأمر لهما في الإخبار لا يدل على جمعه في الزمان، بل قد يكون القول لهما متعاقباً ﴿فقضاهن﴾ أي خلقهن وصنعهن حال كونهن معدودات ﴿سبع سماوات﴾
٥٥٧


الصفحة التالية
Icon