ولما كان التقدير أن يقال إنكاراً عليهم : ألم يروا أن الله لو شاء لجعلهم كغيرهم، عطف عليه قوله :﴿أو لم يروا﴾ أي يعلموا علماً كما هو كالمشاهدة لأنه غريزة في
٥٦٠
الفطرة الأولى فهو علم ضروري ﴿أنّ الله﴾ أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿الذي خلقهم﴾ ولم يكونوا شيئاً ﴿هو أشد منهم قوة﴾ ومن علم أن غيره أقوى منه وكان عاقلاً انقاد له فيما ينفعه ولا يضره، واجتماع قوتهم التي هي شدة البنية وقوته سبحانه التي هي كمال القدرة وهي صفة قائمة بذاته سبحانه إنما هو من الآثار الناشئة عن القوة، فلذلك جمعاً بأشد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٥٩
ولما بين أنهم أجدوا الكبر، عطف عليه من غرائزهم ما هو أصل لكل سوء، فقال مبيناً قرط جهلهم باجرائهم على العظمة التي شأنها قصم الظالم وأخذ الآثم :﴿وكانوا﴾ أي طبعاً لهم ﴿بآياتنا﴾ على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا ﴿يجحدون*﴾ أي ينكرون إنكاراً يضمحل عنده كل إنكار عناداً مع علمهم بأنها من عندنا ﴿فأرسلنا﴾ بسبب ذلك على ما لنا من العظمة، ودل على صغارهم وحقارتهم بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهم﴾ وزاد في تحقيرهم بأن أخبر أنه أهلكهم لأجل ما تعززوا به من قوة أبدانهم ووثاقة خلقهم بما هو من ألطف الأشياء جسماً وهو الهواء فقال :﴿ريحاً﴾ أي عظيمة ﴿صرصراً﴾ أي شديدة البرد والصوت والعصوف حتى كانت تجمد البدن ببردها فتكون كأنها تصره - أي تجمعه - في موضع واحد فتمنعه التصرف بقوته، وتقطع القلب بصوتها، فتقهر شجاعته، وتحرق بشدة بردها كل ما مرات عليه.


الصفحة التالية
Icon