ولما كان المقصود الإبلاغ في الزجر، أعاد التفصيل فقال :﴿سمعكم﴾ وأكد بتكرير النافي فقال :﴿ولا أبصاركم﴾ جمع وأفرد لما مضى ﴿ولا جلودكم ولكن﴾ إنما استتاركم لأنكم ﴿ظننتم﴾ بسبب إنكاركم البعث جهلاً منكم ﴿أن الله﴾ الذي له جميع الكمال ﴿لا يعلم﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿كثيراً مما تعملون*﴾ أي تجددون عمله مستمرين عليه، وهو ما كنتم تعدونه خفياً فهذا هو الذي جرأكم على ما فعلتم، فإن كان هذا ظنكم فهو كافر، وإلا كان عملكم عمل من يظنه فهو قريب من الكفر والمؤمن حقاً من علم أن الله مطلع على سره وجهره، فلم يزل مراقباً خائفاً هائباً، روى الشيخان في صحيحهما واللفظ للبخاري في كتاب التوحيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : اجتمع عن البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر : إن
٥٦٥
كان يسمع إذا جهرنا فأنه يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله ﴿وما كنتم﴾ - الآية، قال البغوي ؛ قيل : الثقفي عبد ياليل وختناه، والقرشيان : ربيعة وصفوان بن أمية.
ولما كان ذكر المعصية وما جرأ عليها يقتضي انتقاصاً يقدح في الإلهية، بين أنه الموجب للغضب فقال :﴿وذلكم﴾ أي الأمر العظيم في القباحة، ثم بينه بقوله :﴿ظنكم﴾ أي الفاسد، ووصفه بقوله :﴿الذي ظننتم بربكم﴾ أي الذي طال إحسانه إليكم من أنه لا يعلم حالكم، ثم أخبر عنه بقوله :﴿أردناكم﴾ أي تسبب عنه خاصة أنه أهلككم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٦٥
وأما معاصي الجوارح مع التوحيد والتنزيه فأمرها أسهل، والحاصل أن كل ظن كان غير مأذون فيه من الشارع فهو يردي صاحبه.


الصفحة التالية
Icon