السوء زيادة في عذابهم، وكانت مساءة جلودهم مساءتهم، خصوا القرناء بإرادة الانتقام منهم، فحكى سبحانه قولهم بقوله عطفاً على ﴿وقالوا لجلودهم﴾ أو على ما تقديره : فعلموا حينئذ انهم كانوا على ضلال لتقصيرهم في النظر وتقليدهم لغيرهم :﴿وقال الذين كفروا﴾ أي غطوا أنوار عقولهم داعين بما لو يسمع لهم، فهو زيادة في عقوبتهم، وحكايته لنا وعظ وتحذير :﴿ربنا﴾ أي أيها الذي لم يقطع قط إحسانه عنا ﴿أرنا﴾ الصنفين ﴿اللّذين أضلاّنا﴾ عن المنهج الموصل إلى محل الرضوان ﴿من الجن والإنس﴾ المزينين لنا ارتكاب السوء خفية وجهراً، قرأ الجماعة بكسر الراء من أرنا، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب والسوسي عن أبي عمرو وأبو بكر عن عاصم بإسكان الراء هنا خاصة.
قال الأصبهاني : يحكى عن الخليل أنك إذا قلت : أرني ثوبك - بالكسر فالمعنى بصرنيه، وإذا قلته بالسكون فهو استعطاء، ومعناه أعطني ثوبك، ونظيره اشتهار الإيتاء في معنى الإعطاء، وأصله الإحضار - انتهى.
﴿نجعلهما تحت أقدامنا﴾ في النار إذلالاً لهما كما جعلانا تحت أمرهما ﴿ليكونا من الأسفلين*﴾ أي من أهل الدرك الأسفل وممن هو دوننا كما جعلانا كذلك في الدنيا في حقيقة الحال بإتباعنا لهما فيما أراد بنا، وفي الاخرة بهذا المال، والظاهر أن المراد أن كل أحد يتمنى أن يعرف من أضله من القبيلتين ليفعل ذلك إن قدر عليه.
ولما ذكر الأعداء وقرناءهم نذارة، أتبعه ذكر الأولياء وأوداءهم بشارة، فقال مبيناً لحالهم القابل للإعراض وثمراته جواباً لمن يسأل عنهم مؤكداً لأجل إنكار المعاندين :﴿إن الذين﴾ قال أبو حيان : قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في الصديق رضي الله عنه وأرضاه.


الصفحة التالية
Icon