ولما أثبتوا لهم الخير، ونفوا عنهم الضير، عللوه بقولهم :﴿نحن أولياؤكم﴾ أي أقرب الأقرباء إليكم، فنحن نفعل معكم كل ما يمكن أن يفعله القريب ﴿في الحيالة الدنيا﴾ نجتلب لكم المسرات ونبعد عنكم المضرات ونحملكم على جميع الخيرات بحيث يكون لكم فيها ما تؤثره العقول بالامتناع مما تهواه النفوس وإن تراءى للرائين في الدنيا أن الأمر بخلاف ذلك، فنوقظكم من المنام، ونحملكم على الصلاة والصيام، ونبعدكم عن الآثام، ضد ما تفعله الشياطين مع أوليائهم ﴿وفي الآخرة﴾ كذلك حيث يتعادى الأخلاء إلا الأتقياء ﴿ولكم فيها﴾ أي الآخرة في الجنة وقبل دخولها في جميع اوقات الحشر ﴿ما تشتهي﴾ ولو على أدنى وجوه الشهوة بما يرشد إليه حذف المفعول ﴿أنفسكم﴾ لأجل ما منعتموها من الشهوات في الدنيا ﴿ولكم﴾.
ولما كان السياق للذين استقاموا العام للسابقين وأصحاب اليمين على ما أشير إليه الختم بصفة المغفرة وتقديمها، قيد بالظرف بخلاف ما في يس فقال :﴿فيها﴾ أي
٥٧١
الآخرة ﴿ما تدعون*﴾ أي ما تؤثرون دعاءه وطلبه وتسألونه وتمنونه بشهوة نفوسكم ورغبة قلوبكم.
ولما كان هذا كله بالنسبة إلى ما يعطزن شيئاً يسيراً، نبه عليه بقوله :﴿نزلاً﴾ أي هذا كله يكون لكم كما يقدم إلى الضيف عند قدومه إلى أن يتهيأ ما يضاف به.
ولما كان من حوسب عذب، فلا يدخل أحد الجنة إلا بالرحمة، أشار إلى ذلك بقوله :﴿من﴾ أي كائناً النزل من ﴿غفور﴾ له صفة المحو للذنوب عيناً وأثراً على غاية لا يمكن وصفها ﴿رحيم*﴾ أي بالغ الرحمة بما ترضاه الإلهية، فالحاصل أن المفسد يقيض الله له قرناء والملائكة يعينونه ويحببونه ويبعدونه ويكرهونه في جميع المضرات - والله يتولى الصالحين.


الصفحة التالية
Icon