ولما ثبت له سبحانه التفرد بالخلق والأمر، وكان باطناً إلا عند من نور الله أو كانت الشمس والقمر من آياته المعرفة المشيرة في وجود الدنيا والآخرة إليه، وكانا مشاهدين، وكان الإنسان قاصر العقل مقيد الوهم بالمشاهدات لما عنده من الشواغل إلا من عصم الله، أنتج قوله محذراً من عبادتهما لما يرة لهما من البهاء وفيهما من المنافع :﴿لا تسجدوا للشمس﴾ التي هي أعظم أوثانكم فإنها من جملة مبدعاته، وأعاد النافي تأكيداً للنفي لأن النهي عن كل منهما على حدته ولذلك أظهر موضع الإضمار فقال :﴿ولا للقمر﴾ كذلك.
ولما نهى عن السجود لهما، أمر بالسجود بما يبين استحقاقه لذلك وعدم استحقاقهما أو استحقاق شيء غيرهما له فقال :﴿واسجدوا﴾ ونبه على مزيد عظمته بالإظهار موضع الإضمار فقال :﴿لله﴾ أي الذي له كل كمال من غير شائبة نقص من أقول أو تجدد حلول ﴿الذي خلقهن﴾ أي الأربعة لأجلكم فهو الذي يستحق الإلهية، وأنث لأن ما لا يعقل حكمه حكم المؤنث في الضمير وهي أيضاً آيات، وفيه إشارة إلى تناهي سفولها عما أهلوها له وذم عابديها بالإفراط في الغباوة، ويمكن أن يكون عد القمر أقماراً لأنه يكون تارة هلالاً وأخرى بدراً وأخرى محواً، فلذلك جمع إشارة إلى قهرهما بالتغيير له في الجرم ولمهما بالتسيير، ولذلك عبر بضمير المؤنث الذي يكون لجمع الكثرة مما لا يعقل.
٥٧٥


الصفحة التالية
Icon