"قال الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر "، قال أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم ﴿افلا تعلم نفس﴾" الآية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٦
ولما كانوا أهل بلاغة وسلن، وبراعة : وجدل، فكان ربما قال متعنتهم : ما له إذا كان ما تزعمون من أنه لا يبالي بشيء ولا ينقص من خزائنه شيء وهو العزيز الرحيم، لا يسوي بين الكل في إدخال الجنة، والمن بالنعيم فيعمهم بالرحمة الظاهرة كما عمهم بها في الدينا كما هو دأب المحسنين ؟ تسبب عن ذلك أن قال منكراً لذلك مشيراً إلى أن المانع منه خروجه عن الحكمة، فإن تلك دار الجزاء، وهذه دار العمل، فبينهما بون :﴿أفمن كان﴾ أي كونا كأنه من رسوخه جبلي ﴿مؤمناً﴾ أي راسخاً في التصديق العظيم بجميع ما أخبرت به الرسل ﴿كمن كان﴾ ولما كان السياق منسوقاً على دليل ﴿مالكم من دونه من ولي ولا شفيع﴾ - الآية، فكان الكافر خارجاً عن محيط ذلك الدليل الذي لا يخفي بوجه على أحد له سمع وبصر وفؤاد، اقتضى الحال بالتعبير بالفسق الذي هو الخروج عن محيط فقال :﴿فاسقاً﴾ أي راسخاً في الفسق خارجاً عن دائرة الإذعان.
ولما توجه الاستفام إلى كل من اتصف بهذا الصف، وكان الاستفهام إنكارياً، عبر عن معناه مصريحاً بقوله :﴿لا يستوون﴾ إشارة - بالجمل على لفظ " من " مرة ومعناها أخرى - إلى أنه لا يستوي جمع من هؤلاء يجمع من أولئك ولا فرد بفرد.
ولما نفى استواءهم، أتبعه حال كل على سبيل التفصيل بالجمع لأن الحكم بإرضائه وإسخاطه بفهم الحكم على الواحد منه من باب الأولى فقال :﴿أما الذين آمنوا وعملوا﴾ أي تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات فلهم جنات المأوى﴾ أي الجنات المختصة دون الدنيا التي هي دار ممر، دون النار التي هي دار مفر لا مقر، بتأهلها للمأوى الكامل في هذا الوصف بما أشار إليه بـ " ال " ثابتون فيها لا يبغون عنها حولاً، كما تبوؤا
٥٩


الصفحة التالية
Icon