ولما رغبهم باتصافه بالمغفرة، رهبهم باتصافه بالانتقام، وأكد باعادة " ذو " والواو فقال :﴿وذو عقاب﴾ والختم بما رويه الميم مع تقديم الاسم الميمي في التي قبلها دال للأشعري الذي قال بأن الفواصل غير مراعية في الكتاب العزيز، وإنما المعول عليه المعاني لا غير، والمعنى هنا على إيلام من كانوا يؤلمون أولياءه باللغو عند التلاوة الدالة على غاية العناد، فلذلك قدم حكيم، ولم يقل شديد، وقال :﴿أليم*﴾ أي كذلك، فلا يقطع لأحد نجاة إلا من أخبر هو سبحانه بإشقائه أو إنجائه، وقد تقدم فعله لكل
٥٨٠
من الأمرين أنجى ناساً وغفر لهم كقوم يونس عليه الصلاة والسلام، وعاقب آخرين، وسيفعل في قومك من كل من الأمرين ما هو الأليق بالرحمة بإرسالك، كما أشار إليه ابتداؤه بالمغفرة، فالآية نحو : إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم، ولعله لم يصرح هنا تعظيماً للقرآن الذي الكلام بسببه.
ولما افتتحت السورة بأنه أنزل على أحسن الوجوه وأجملها وأعلاها وأبينها وأكملها من التفصيل، والجمع والبيان بهذا اللسان العظيم الشأن، فقالوا فيه ما وقعت هذه التسلية لأجله من قولهم ﴿فلوبنا في أكنة﴾ إلى آخره، وكان ربما قال قائل ؛ لو كان بلسان غير العرب، وأعطى هذا النبي فهمه والقدرة وعلى تنبييه لكان أقوى في الإعجاز وأجدر بالاتباع، أخبر أن الأمر ليس كذلك، لأنهم لم يقولوا : هذا الشك حصل لهم في أمره، بل عناداً، والمعاند لا يرده شيء، فقال على سبيل التأكيد، معلماً بأن الأمر على غير ما ظنه هذا الظان، وقال الأصبهاني : إنه جواب عن قولهم ﴿وقالوا قلوبنا في أكنه﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٧٩


الصفحة التالية
Icon