ولما وصف عذابهم في النار كان أحق بالوصف عند بيان سبب الإهانة بالأمر بالذوق مع أنه أحق من حيث كونه مضافاً محدثاً عنه فقال :﴿الذي كنتم﴾ أي كوناً هو لكم كالجبلات، وأشار إلى أن تكذيبهم به يتلاشى عنده كل تكذيب، فكأنه مختص فقال :﴿به تكذبون*﴾ فإن الإعادة بعد معالجة الخروج أمكن في التصديق باعتبار التجدد في كل آن.
ولما كان المؤمنون الآن يتمنون إصابتهم بشيء من الهوان في هذه الدار، لأن نفوس البشر مطبوعة على العجلة، بشرهم بذلك على وجه يشمل عذاب القبر، فقال مؤكداً له لما عندهم من الإنكار لعذاب ما بعد الموت وللإصابة في الدنيا بما هم من الكثرة والقوة :﴿ولنذيقنهم﴾ أي أجمعين بالمباشرة والتسبيب، بما لنا من العظمة التي تتلاشى عندها كثرتهم وقوتهم ﴿من العذاب الأدنى﴾ أي قبل يوم القيامة، بأيديكم وغيرها، وقد صدق الله قوله، وقد كانوا عند نزول هذه السورة بمكة المشرفة في غاية
٦٠
الكثرة والنعمة، فأذاقهم الجدب سنين متوالية، وفرق شملهم وقتلهم وأسرهم بأيدي المؤمنين إلى غير ذلك بما أراد سبحانه ؛ ثم أكد الإرادة لما قبل الآخرة وحققها بقوله، معبراً بما يصلح للغيرية والسفول :﴿دون العذاب الأكبر﴾ أي الذي مر ذكره في الآخرة ﴿لعلهم برجمون*﴾ أي ليكون حالهم حال من يرجى رجوعه عن فسقه عند من ينتظره، وقد كان ذلك، رجع كثير منهم خوفاً من السيف، فلما رأوا محاسن الإسلام كانوا من أشد الناس فيه رغبة وله حباً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٩
ولما كان التقدير : يرجعون عن ظلمهم فإنهم ظالمون، عطف عليه قوله :﴿ومن أظلم﴾ منهم هكذا كان الأصل ولكنه أظهر الوصف الذي صاروا أظلم فقال :﴿ممن ذكر﴾ أي من أيّ مذكر كان وصف القول إلى صفة الإحسان استعطافاً وتنبيهاً على وجوب الشكر فقال :﴿بآيات ربه﴾ أي الذي لا نعمة إلا منه.