ولما لم يبق بعد هذا لمتعنت مقال، ولا شبهة أصلاً لضال، كان موضع المناداة على من استمر على عناده بقوله مؤكداً لادعائهم إنهم على جلية من أمرهم، ﴿ألا إنهم﴾ أي الكفرة ﴿في مرية﴾ أي جحد وجدال وشك وضلال على العبث ﴿من لقاء﴾ وصرف القول إلى إضافة وصف الإحسان إليهم إشارة إلة أنه لا بد من كمال تربيتهم بالبعث لأنه أحكم الحاكمين فقال :﴿ربهم﴾ أي المحسن إليهم بأن خلقهم ورزقهم للحساب والجزاء بالثواب والعقاب كما هو شأن كل حكيم فيمن تحت أمره.
ولما كانوا مظهرين الشك في القدرة على البعث، قرره إيمانهم معترفون به من قدرته على كل يء من البعث وغيره فقال :﴿ألا إنه﴾ أي هذا المحسن إليهم ﴿بكل شيء﴾ أي من الأشياء جملها وتفاصيلها كلياتها وجزيائتها أصولها وفروعها غيبتها وشهادتها ملكها وملكوتها ﴿محيط*﴾ قدرة وعلماً من كثير الأشياء وقليلها كليها وجزئيها، فعما قليل يجمعهم على الحق ويبدلهم بالمرية إذعاناً وبالشك يقيناً وبرهاناً، فرحمته عامة لجميع أهل الوجود وخاصة لمن منَّ عليه الإيمان الموصل إلى راحة الأمان، فكيف يتصور في عقل أن يترك البعث ليوم الفصل الذي هو مدار الحكمة، ومحط إظهار النعمة والنقمة، وقد علم بذلك انطباق آخرها المادح للكتاب المقرر للبعث والحساب على أولها المفصل للقرآن المفيض لقسمي الرحمة : العامة والخاصة لأهل الأكوان، وعلى ما اقتضاه العدل والإحسان، بالبشارة لأهل الإيمان، والنذارة لأهل الطغيان - والله الهادي وعليه التكلان.
٥٩٢
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٨٩