هذه الاجتماع على الدين، ولما توافقتا في المقصود في الابتداء والانتهاء، واختصت الشورى بأن حروفها اثنان، دل سبحانه بذلك أرباب البصائر على أنه إشارة إلى أن الدين قسمان : أصول وفروع، دلت مريم على الأصول ﴿ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه تمترون﴾ [مريم : ٣٤]، وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم، ﴿هل تعلم له سميا﴾ [مريم : ٦٥] والشورى على مجموع الدين أصولاً وفروعاً ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك﴾ الآية، هذا موافقة البداية، وأما موافقة النهاية فهو أنهما ختمتا بكلمتين : أول كل منهما آخر الأخرى وآخر كل أول الأخرى وإيذاناً بأن السورتين دائرة واحدة محيطة بالدين متصلة لا انفصام لها، وذلك أن آخر مريم أول الشورى وآخر الشورى أو مريم ﴿فإنما يسرناه بلسانك﴾، الآية ﴿هو كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم﴾ ﴿وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا﴾ ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ إلى آخرها هو ﴿ذكر رحمة ربك عبده زكريا﴾ - إلى آخر القصة في الدعاء بارث الحكمة والنبوة الذي روحه الوحي والله الهادي، وكذا تسميتها ببعضها بدلالة الجزء على الكل ﴿بسم الله﴾ الذي أحاط بضفات الكمال، فنفذ أمره، فاستجاب له كل شيء طوعاً أو كرهاً ﴿الرحمن﴾ الذي عمت رحمته فهيأت عباده لقبول أمره ﴿الرحيم﴾ الذي خص اولياءه بما ترتضيه الإلهية من رحمته، فجمع كلمتهم على دينه عقداً وفعلاً ومآلاً ﴿حم عسق*﴾ هذه الحروف يجوز أن تكون إشارة إلى كلمات منتظمة من كلام عظيم يشير إلى أن معنى هذا الجمع يجوز أن يقال : حكمة محمد علت وعمت فعفت سقام القلوب، وقسمت حروفها قسمين موافقة لبقية أخواتها وبعدها آيتين، ولم تقسم ﴿كهيعص﴾ لأنها آية واحد ولا أخت لها ولم تقسم ﴿المص﴾ مثلاً وإن كان لها أخوات لأنها آية واحدة، ولم يعد في شيء من القرآن حرف واحد آية، ويجوز أن يعتبر مفردة فتكون إشارة إلى أسرار تملأ الأقطار، وتشرح الصدور


الصفحة التالية
Icon