قضى عليه تعالى بالكفر، اتبعت السورتان بما اشتملت عليه سورة الشورى من أن ذلك كله إنما جرى على ما سبق في عمله تعالى بحكم الأزلية ﴿فريق في الجنة وفريق في السعير﴾ ﴿وما أنت عليهم بوكيل﴾ ﴿ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة﴾ ﴿ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم﴾ ﴿وهو على جمعهم إذا يشاء قدير﴾ ﴿وما أنتم بمعجزين في الأرض﴾ ﴿ومن يضلل الله فما له من سبيل﴾ ﴿إن عليك إلا البلاغ﴾ ﴿نهدي به من نشاء من عبادنا﴾ فتأمل هذه وما التحم بها مما لم يجر في السورة المتقدمة منه إلا النادر، ومحكم ما استجره، وبناء هذه السورة على ذلك ومدار آيها، يلح لك وجه اتصالها بما قبلها والتحامها بما جاورها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٩٣
ولما ختمت سورة السجدة بقوله تعالى ﴿إلا أنهم في مرية من لقاء ربهم﴾ اعقبها سبحانه بتنزيهه وتعاليه عن ريبهم وشكهم، فقال تعالى ﴿تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن﴾ كما أعقب بمثله في قوله تعالى ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إذ تكاد السماوات يتفطرون منه﴾ ولما تكرر في سورة حم السجدة ذكر تكبر المشركين وبعد انقيادهم في قوله تعالى ﴿فأعرض أكثرهم وقالوا قلوبنا في أكنة﴾ إلى ما ذكر تعالى من حالهم المنبئة عن بعد استجابتهم قال تعالى في سورة الشورى ﴿كبر على المشركين ما تدعوهم إليه﴾ - انتهى.
ولما أخبر سبحانه أنه صاحب الوحي بالشرائع دائماً قديماً وحديثاً، علل ذلك بأنه صاحب الملك العام فقال :﴿له ما في السموات﴾ أي من الذوات والمعاني ﴿وما في الأرض﴾ كذلك.
ولما كان العلو مستلزماً للقدرة قال :﴿وهو العلي﴾ أي على العرض الذي السماوات فيه علو رتبة وعظمة ومكانة لا مكان وملابسة، فاستلزم ذلك أن تكون له السماوات كلها والأراضي كلها مع ما فيها ﴿العظيم*﴾ أي فلا يتصور شيء في وهم ولا يتخيل في عقل إلا وهو أعظم منه بالقهر والملك، فلذلك يوحي إلى من يشاء بما يشاء من إقرار وتبديل، لا اعتراض لأحد عليه.