ولما كان ملوك الدنيا غالباً لا يريدون أن يعصى أمرهم، فإذا حذروا من شيء أرادوا أن لا يقرب، فإن فعله أحد كان فعله له خارجاً من مرادهم، فكانت عقوبتهم له لخروجه عن المراد شفاء لما حصل لهم من داء الغيظ، بين أمه سبحانه على غير ذلك، وأنه منزه عن خروج شيء عن مراده، وعن أن يلحقه نفع بطاعة أو ضر بمعصية، وإن عقوبته إنما هي على مخالفة أمره مع الدخول تحت مراده بإلجائه وقسره، وهذا في نفس الأمر، وأما في الظاهر فالأمر أن لا يظهر أنه لشيء منهما إلا صرف الاختيار، فقال صارفاً القول عن مظهر العظمة استيفاء لإنذار ما هو حقيق به منها إلى الاسم الجامع صفات العظمة وغيرها لاقتضاء الحال له :﴿ولو شاء الله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال ﴿لجعلهم﴾ أي المجموعين ﴿امة واحدة﴾ للعذاب أو الثواب ولكنه لم يشأ ذلك بل شاء أن يكونوا فريقين : مقسطين وظالمين، ليظهر فضله وعدله وأنه إله جبار واحد
٦٠٣
قهار، لا يبالي بأحد وهو معنى قوله :﴿ولكن يدخل من يشاء﴾ أي إدخاله ﴿في رحمته﴾ بخلق الهداية في قلبه فتكون أفعالهم في مواضعها وهو المقسطون، ويدخل من يشاء في نقمته بخلق الضلال في قلوبهم فيكونون ظالمين، فلا يطون لهم فعل في حاق موضعه، فالمقسطون ما لهم من عدو ولا نكير ﴿والظالمون﴾ أي العريقون في الظلم الذين شاء ظلمهم فيدخلهم في لعنته ﴿ما لهم من ولي﴾ يلي أمورهم فيجتهد في إصلاحها ﴿ولا نصير*﴾ ينصرهم من الهوان، فالآية ثانياً دليلاً على أضداده أولاً، وسره أنه ذكر السبب الحقيقي في أهل السعادة ليحملهم على مزيد الشكر، والسبب الظاهري في أهل الشقاوة لينهاهم عن الكفر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٠١


الصفحة التالية
Icon