ولما قرر أمر الوحي بما ثبت به من الإعجاز، وأرهم الآيات في الآفاق، بأن له ما في الوجود، وأنه هو الذي فطره، وكان ربما كان للإنسان شيء ولم يكن كامل التصرف فيه بأن يكون مفاتيح خزائنه مع غيره من شريك أو غيره، وكان ربما اخترع الإنسان بناء وكان لغيره، أخبر إكمالاً لتنزيه الآية السالفة وشرحاً له أنه تعالى ليس كمثله شيء كغيره في هذا أيضاً بل كما كان أن له ما في الخافقين وهو مخترعهما فله مفاتيح خزائنهما، فقال :﴿له﴾ أي وحده ﴿مقاليد السماوات والأرض﴾ أي خزائنهما ومفاتيح خزائنهما من الأمطار والأنبات وغيرهما وقد ثبت أنه ابتدعهما، وأن له جميع ما فيهما مما اتخذ من دونه ولياً وغيره، قال القشيري : والمفاتيح الخزائن وخزائنه مقدوراته - انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٠٤
ولما كان قد حصر الأمر فيه دل عليه بقوله :﴿يبسط الرزق﴾ أي الذي فيهما ولا مانع إلا قدرته ﴿لمن يشاء﴾ أي أن يبسطه له ﴿ويقدر﴾ أي يضيق ويقبض على من يشاء كما وسع على فارس والروم وضيق على العرب وفاوت في الأفراد، بين أفراد من وسع عليهم ومن ضيق عليهم، فدل ذلك قطعاً على أنه لا شريك له وأنه هو المتصرف وحده فقطع بذلك أفكار الموفقين من عباده من غيره ليقبلوا عليه ويتفرغوا له، فإن عبادته هي المقاليد بالحقيقة ﴿استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال﴾ [الآية ١٢ : نوح] ﴿ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ [الطلاق : ١١] ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات
٦٠٨
من السماء والأرض﴾
[الأعراف : ٩٦] ﴿ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم﴾ ﴿ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل﴾ [الآية ٦٦ : المائدة].


الصفحة التالية
Icon