ولما أخبر بالعدل في القوة النظرية، أتبعه ذلك في القوة العملية فقال :﴿وأمرت﴾ أي ممن له الأمر كله بما أمرني به مما أنزل عليّ ﴿لأعدل﴾ أي لأجل أن أعدل ﴿بينكم﴾ أيها المفرّقون في الأديان من العرب والعجم من الجن والإنس كما دعى إليه كمال القوة العملية، ثم علل ذلك بقوله :﴿الله﴾ أي الذي له الملك كله ﴿ربنا وربكم﴾ أي موجدنا ومتولي جميع أمورنا، فلهذا أمرنا بالعدل على سبيل العموم لأن الكل عباده.
ولما كان الرب واحداً، انتج عنه قوله :﴿لنا أعمالنا﴾ خاصة بنا لا تعدونا إلى غيرنا ﴿ولكم أعمالكم﴾ خاصة بكم لا تعدونا إلى غيركم، لأنه لا داعي لأن نأخذ عمل بعضنا فنعطيه لغيره، لأن ذلك لا يفعله إلا ذو غرض، وهو سبحانه محيط بصفات الكمال، فهو منزه عن الأغراض، ولما وصل بتمام هذه الجملة في إزالة الريب وإثبات الحق إلى ما هو كالشمس لثبوت الرسالة بالمعجزات وإعجاز هذا الكتاب وتصادقه مع ما عند أهل الكتاب، وبيان هاتين المقدمتين اللتين لا نزاع بين أحد من الخلق فيهما كانت نتيجة ذلك :﴿لا حجة﴾ أي موجودة بمحاجة أحد منا لصاحبه ﴿بيننا وبينكم﴾ لأن الأمر وصل إلى الانكشاف التام فى فائدة بعدة للمحاجة فما بقي إلا المجادلة بالسيوف، وإدارة كؤوس الحتوف، لأنا نعلم بإعلام الله لنا في كتابه الذي دلنا إعجازه لخللائق على أنه كلامه، فنحن نسمعه لذلك منه أنا على محض الحق وأنكم على محض الباطل، وقد أعذرنا إليكم وأوصلنا ببراهينه إلى المشاهدة فلم يبق إلا السيف عملاً بفضيلة الشجاعة.
ولما كان هذا موضع أن يقال : أفما تخافون الله فيمن تقاتلونه وهو عباده، أجاب بقوله مظهراً غير مضمر تعظيماً للأمر :﴿الله﴾ أي الذي هو أحكم الحاكمين ﴿يجمع بيننا﴾ أي نحن وأنتم على دين واحد أراد فلا يكون قتال، وفي الاخرة على كل حال ﴿فهو يحكم بيننا﴾ ﴿وسيعلم الذين ظلموا أيّ منلقب ينقلبون﴾ [الشعراء : ٢٢٧] فما أقدمنا على القتال إلا عن بصيرة.
٦١٤


الصفحة التالية
Icon