ولما كان من خالف ظاهره باطنه ضعيف الحجة هلهل النسج، قال معبراً بمبتدأ ثان مفرداً للحجة إشارة إلى ضعفها :﴿حجتهم﴾ أي التي زعموها حجة، وأخبر عن هذا المبتدأ الثاني ليكون هو وخبره خبراً عن الأول فقال :﴿داحضة﴾ أي زالقة فهي ذاهبة غير ثابتة لأجل أنها في معارضة ما ظهوره كالشمس بل أجلى، والعبارة لفتٌ إلى صفة الإحسان والعندية إشارة إلى شدة ظهور ما في حجتهم من الدحوض لأن ﴿عند﴾ للأمور الظاهرة المألوفة، وصفة التربية للعطف والرفق، والإضافة إلى ضميرهم تقتضي مزيد لطف وعطف، فهو إشارة إلى أنها هباء منثور عند تدقيق النظر ولا سيما إذا كان بصفة عزة وقهر وغضب، فالمعنى أن دحوضها ظاهراً جداً ولو عوملوا بصفة الإحسان ولو
٦١٥
خصول بمزيد عطف وبر، فأين هذا مما لو قيل ﴿لدى عليم قدير﴾ فإنه يفهم أن دحوضها لا يدركه إلا بليغ العلم تام القدرة، وهو مع ذلك غريب فيصير فيه نوع مدح لحجتهم في الجملة :﴿عند ربهم﴾ أي المحسن إليهم بإفاضة العقل الذي جعلهم به في أحسن تقويم، فمهما جردوه عن الهوى، دلهم على أن جميع ما كانوا فيه باطل، وفيه إشارة إلى أن أدنى ما يعذبهم به قطع إحسانه عنهم، وأنه يظهر بطلان ما سموه حجة لكل عاقل فيورثهم الخزي في الدنيا والعذاب في الأخرى على أن قطع إحسانه هو عند التأمل أعلى العذاب ﴿وعليهم﴾ زيادة على قطع الإحسان ﴿غضب﴾ أي عقوبة تليق بحالهم المذموم ووصفهم المذؤوم ومنه الطرد، فهم مطرودون عن بابه، مبعودون عن جنابه، مهانون بحجابه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦١١
ولما أفهم التعبير بـ " على " ذمهم باستعلاء النقم عليهم لم يشكل التعبير باللام، بل كان مفهماً التهكم والملام فقال :﴿ولهم﴾ أي مع ذلك ﴿عذاب شديد*﴾ لا تصلون إلى إدراك حقيقة وصفه، والآية مشيرة إلى الانتصار على أهل الردة وضربهم بكل شدة لسوء منزلتهم عنده كما كشف عنه الحال عند ندب الصديق إليهم بالقتال رضي الله عنه وأرضاه.


الصفحة التالية
Icon