ولما أشار إلى إعراضهم عنه وإعراض العرب عن كتابهم، ذكر أن الكل فعلوا بذلك الضلال ضد ما أنزل له الكتاب، فقال ممتناً على بني إسرائيل ومبشراً للعرب :﴿وجعلناه﴾ أي كتاب موسى عليه السلام جعلاً يليق بعظمتنا ﴿هدى﴾ أي بياناً عظيماً ﴿لبني إسرائيل﴾ وأشار إلى اختلافهم فيه بقوله :﴿وجعلنا منهم﴾ أي من أنبيائهم وأحبارهم بعظمتنا، مع ما في طبع الإنسان من اتباع الهوى ﴿أئمة يهدون﴾ أي يوقعون البيان ويعملون على حسبه ﴿بأمرنا﴾ أي بما أنزلنا فيه من الأوامر ؛ ثم ذكر علة جعله ذلك لهم بقوله :﴿لما صبروا﴾ أي بسبب صبرهم ولأجله - على قراءة حمزة الكسائي بالكسر والتخفيف - أو حين صبرهم على قبول أوامرنا على قراؤة الباقين بالفتح والتشديد، وإن كان الصبر أيضاً إنما هو بتوفيق الله لهم ﴿وكانوا بآياتنا﴾ لما لها من العظمة ﴿يوقون*﴾ لا يرتابون في شيء منها ولا يفعلون فعل الشاك فيه الإعراض، وكان ذلك لهم جبلة جبلناهم عليها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦١
ولما أفهم قوله " منهم " أنه كان منهم من يضل عن أمر الله ويصد عنه، وجاء قوله تسلية للمؤمنين وتوعداً للكافرين، استئنافاً مؤكداً تنبيهاً لمن يظن أنه لا بعث، ولفت القول إلى صفة الإحسان إشارة إلى ما يظهر من شرفه صل الله عليه وسلم في ذلك اليوم من المقام المحمود وغيره :﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك ليعظم ثوابك ويعلي ما بك ﴿هو﴾ أي وحده ﴿يفصل بينهم﴾ أي من الهادين والمضلين والضالين ﴿يوم القيامة﴾ بالقضاء الحق، فيعلى أمر المظلوم ويردي كيد الظالم ﴿فيما كانوا﴾ جبلة، طبعاً ﴿فيه﴾ أي خاصة ﴿يختلفون*﴾ أي يجددون الاختلاف فيه على سبيل الاستمرار حسب ما طبعوا عيله، لا يخفى عليه شيء منه، وأما غير ما اختلفوا فيه فالحكم فيه لهم أو عليهم لا بينهم، وما اختلفوا فيه لا على وجه القصد فيقع في محل العفو.