ويستنمي به مكتفياً به مؤثراً له على الآخرة ﴿نؤته منها﴾ ما قسمناه له، ولو تهاون به ولم يطلبه لأتاه، ولا ينال كل ما يتمناه ولو جهد كل الجهد، وأم الآخرة فكل ما نواه طالبها من أعمالها حصل له وإن لم يعمله ﴿وما﴾ أي والحال أن طالب الدنيا ما ﴿له في الآخرة من نصيب*﴾ أصلاً، روى أبيّ بن كعب رضي الله أن النبي ﷺ قال :"بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصرة والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم - وقال : صحيح الإسناد - والبهيقي، وذلك لأن الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، وهذا تهاون بها فلم ينوها وهي أشرف من أن تقبل على من أعرض عنها وتبعد عمن أقبل عليها حتى تهلكه في مهاويها، والآخرة تقبل على من أقبل عليها أضعاف إقباله، وتنادي من أدبر عنها لينتهي عن غيه وضلاله، قال الرازي في اللوامع : أهل الإرادة على أصناف : مريد للدنيا ومريد للآخرة ومريد للحق جل وعلا، وعلامة إرادة الدنيا أن يرضى في زيادة دنياه بنقص دينه والإعراض عن فقراء المسلمين وأن تكون حاجاته في الدعاء مقصورة على الدنيا، وعلامة إرادة الآخرة بعكس ذلك، وأما علامة إرادة الله سبحانه وتعالى كما قال ﴿ويريدون وجهه﴾ طرح الكونين والحرية عن الخلق والخلاص من يد النفس - انتهى، وحاصله أن يستغرق أوقاته في التوفية بحقوق الحق وحقوث الخلق وتزكية النفس لا طمعاً في جنة ولا خوفاً من نار، بل امتثالاً لأمر الملك الأعلى الذي لا إله غيره لأنه أهل لذلك مع اعترافه لأنه لن يقدر الله حق قدره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦١٦
٦٢٠