عاقل في بطلان منهم أيضاً منهم أن ينسوا ما يأتون به إلى اله على أنه لو طلب منهم ذلك لما كان عذراً، لأنه لا يتوقف أحد في أن الضرورات تبيح المحذورات، وأنه يرتكب أخف الضررين لدفع أثقلهما، فالإيتان بكلام يسر يسكن به فتن طوال وتنقطع به شرور كبار في غاية الحسن لأن الخطب فيه سهل، والأمر يسير، فكان ذلك وهم يرتكبون أكبر منه من قطع الأرحام وتفريق الكلمة لقتل النفوس وتخريب الديار وإتلاف الأموال دليلاً قاطعاً على أنهم إنما يتركونه عجزاً، تسبب عن قولهم هذا وهو نسبتهم له إلى تعمد الكذب أن قال تعالى رداً عليهم ببيان كذبهم فيما قالوا ببيان ما له ﷺ من نور القلب اللازم عن استقامة القول :﴿فإن﴾ وأظهر الجلالة ولم يضمر تعظيماً للأمر بأن الختم لا يقدر عليه إلا المتصف بجميع صفات الكمال على الإطلاق من غير تقيد أصلاً فقال :﴿يشأ الله﴾ أي الذي له الإحاطة بالكمال ﴿يختم﴾ وجرى على الأسلوب السابق في الخطاب لأعظم أولي الألباب فقال معبراً بأداة الاستعلاء :﴿على قلبك﴾ فيمنعه من قبول روح هذا الوحي كما ختم على قلوب أعدائك من قبول ذلك، فتستوي حينئذ معهم في دعم القدرة على الإيتان بشيء منه وتصير لو قلت وقد أعاذك الله عما يقولون مما يصح نسبته إلى الباطل لم تقله إلا ومعه الأدلة قائمة على بطلانها، وكان الأصل في الكلام : أم يقولون ذلك وأنهم لكاذبون فيه بسبب أن الله قد شرح صدرك وأنار قلبك فلا تقول فولاً إلا كانت الأدلة قائمة على صدقه، ولكنه ساق الكلام هكذا لأنه مع كونه أنصف دال على تعليق بالافتراء على ختم القلوب، وذلك دالاً قطعاً على أنهم هم الكاذبون لما على قلوبهم من الختم الموجب لأنها تقول ما الأدلة قائمة على كذبه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٢٠