ولما كان كأنه قيل : وما تلك الآيات ؟ ذكر ما يخوفهم منها ويعرفهم أن جميع ما أباحهم إياه من شؤونها إنما هو بقدرته واختياره فقال :﴿إن يشاء﴾ أي الله الذي حملكم فيها على ظهر الماء آية بينة سقط اعتبارها عندكم لشدة الفكر لها ﴿يسكن الريح﴾ التي يسيرها وانتم مقرّون أن أمرها ليس إلا بيده ﴿فيظللن﴾ أي فتسبب عن ذلك أنهن يظللن أنيقمن ليلاً كان أول نهاراً، ولعله عبر به مع أن أصله الإقامة نهاراً لأن النهار موضع الاقتدار على الأشياء وهو المنتظر عند كل متعسر للسعي في إزالة عسره وتيسر أمره ﴿رواكد﴾ أي ثوابت مستقرات من غير سير ﴿على ظهره﴾ ثباتاً ظاهراً بما دل عليه إثبات اللامين وفتح لامه الأولى للكل.
٦٣٣
ولما كان ذلك موضع إخلاصهم الدعوة لله والإعراض عن الشركاء فإنهم كانوا يقولون في مثل هذا الحال : اخلصوا فإن آلهتكم - أي من الأصنام وغيرها من دون الله - لا تغني في البحر شيئاً، وكانوا ينسبون ذلك شركاء مع طلوعهم إلى البر كانوا بمنزلة من لا يعد ذلك آية أصلاً، فلذلك أكد قوله :﴿إن في ذلك﴾ أي ما ذكر من حال السفن في سيرها وركودها مما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه بدليل ما للنا سكافة من الإجماع على التوجه في ذلك إليه خاصة والانخلاع مما سواه ﴿لآيات﴾ أي على أن إحاطته سبحانه بجميع صفات الكمال أمر مركوز في العقول ثابت في الفطر الأولى مما لا يصد عنه إلا الهوى، وعلى أن بطلان أمر ما دونه لذلك هو من الظهور بمكان لا يجهل.


الصفحة التالية
Icon