ولما كان علم القادر بالمعصية موجباً لعذاب من عصاه، كان كأنه قيل : قد خسر من فعل ذلك فيا ليت شعري ما يكون حالهم ؟ أجاب بقوله :﴿ما لهم من محيص *﴾ أي محيد ومفر أصلاً عن عذابه، ولا بشيء يسير، وإن تأخر في نظركم إيقاع العذاب بهم فإن عذابه سبحانه منه ما هو باطن وهو الاستدراج بالنعم وهذا لا يدركه إلا أرباب القلوب المقربون لدى علام الغيوب، ومنه ما هو ظاهر، ويجوز أن يكون " الذين " فاعل " يعلم "، وحينئذ تكون هذه الجملة في محل نصب لسدها مسد مفعول العلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٣٢
ولما علم أن جميع النعم من الغيث وأثاره، ومن نشر الدواب براً وبحراً بمعرض من الزوال وهو عظيم التقلبات هائل الأحوال سبب عنه قوله محقراً لدنياهم وما فيها من الزهرة بسرعة الذبول والزوال، والأفوال والارتحال، ولهم بأنها مع ما ذكر لا قدرة لهم على شيء منها إلا يموت يمن عليهمبها، وأما هم فقوم ضعفاء لا قدرة لهم على شيء وليس لهم من أنفسهم إلا العجز، فلو عقلوا لعلموا ولو علموا لعلمموا عمل العبيد،
٦٣٦
وأطاعوا القوي الشديد :﴿فما أوتيتم﴾ أي أيها الناس ﴿من شيء﴾ أي من النعم الظاهرة، وأجاب " ما " الشرطية بقوله :﴿فمتاع الحياة الدنيا﴾ أي القريبة الدنيئة لا نفع فيه لأحد إلا مدة حياته، وذلك جدير بالإعراض عنه وعما يسببه من الأعمال إلا ما يقرب إلى الله ﴿وما﴾ أي والذي، ولفت الكلام عن مظهر العظمة إلى أعظم منها بذكر الاسم الجامع للترغيب في ذكر آثار الأوصاف الجمالية والترهيب من آثار النعوت الجلالية فقال :﴿عند الله﴾ أي الملك الأعظم المحيط بكل شيء قدرة وعلماً من نعم الدارين ﴿خير﴾ أي في نفسه وأشد خيرية من النعم الدنيوية المحضة لانقطاع نفعها.


الصفحة التالية
Icon