ولما دل هذا الدليل الشهودي على ما بينت الآية عليه من إثبات الملك له وحده مع ما زادت به من جنس السياق وعذوبة الألفاظ وإحكام الشك وإعجاز الترتيب والنظم، كانت النتيجة قطعاً لتضمن إشراكهم به الطعن في توحده بالملك مقدماً فيها الوصف الذي هو أعظم شروط الملك :﴿إنه عليم﴾ أي بالغ العلم بمصالح العباد وغيرها ﴿قدير*﴾ شامل القدرة على تكوين ما يشاء.
ولما تم القسم الأول مما بنى على العلم والقدرة، والقدرة فيه أظهر وفاقاً لما ختمت به الآية، وكان قد يكون خلقه إياه إبداعاً من غير توسط سبب، وقد يكون بتوسيط سبب، أتبعه القسم الآخر الأعلى الذي العلم فيه أظهر وهو الوحي الذي ختمت آيته أول السورة بالحكمة التي هي سر التقدير في القسم الأول الكلام في قلبه قال :﴿وما﴾ أي وهو سبحانه تام العلم شامل القدرة غرز في البشر غريزة العلم وأقدره على النطق به بقدرته وحياً منه إليه كما أوحى إلى النحل ونحوها والحال أنه ما ﴿كان لبشر﴾ من الأقسام المذكورة، وحل المصدر الذي هو اسم " كان " ليقع التصريح بالفاعل والمفعول على أتم وجوهه فقال :﴿أن يكمله﴾ وأظهر موضع الإضمار إعظاماً للوحي وتشريفاً لمقداره بجلالة إيثاره قفال :﴿الله﴾ أي يوجد الملك الأعظم الجامع لصفات الكمال في قلبه كلاماً ﴿إلا وحياً﴾ أي كلاماً خفياً يوجده فيه بغير واسطة بوجه خفي لا يطلع عليه أحد إلا بخارق العادة إما بإلبهام أو برؤيا منام أو بغير ذلك سواء كان ذلك مع الرؤية ليكون قسماً لما بعده أولاً أو يخلق فيه ذلك ومن هذا القسم الأخير ﴿وأوحينا إلى أم موسى﴾ [القصص : ٧] ﴿وأوحى ربك إلى النحل﴾ [النحل : ٦٨] ﴿وأوحى في كل سماء أمرها﴾ [فصلت : ١٢] فإن إيداعها القوى التي يحصل بها المنافع مثل إيداع الإنسان قوة الكلام ثم قوة التعبير عنه - والله أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٤٨


الصفحة التالية
Icon