وإذا كانت شعب الإفكار العقلية المحضة مجردة عن لواحق الأجسام، فبالحري أن لا تكون شرقية ولا غريبة، وأما الخامس وهو القوة القدسية النبوية فهي في نهاية الشرف والصفاء، فإن القوة الفكرية تنقسم إلى ما تحتاج إلى تعليم وإلى ما لا يحتاج إليه، ولا بد من وجود هذا القسم دفعاً للتسلسل فبالحري أن يعبر عن هذا القسم لكماله وصفاته بأنه يكاد زيته يضيء ولو لم تمسه نار، فهذا المثال موافق لهذه الأقسام، وهذه الأنوار مرتبة بعضها على بعض، فالحس هو الأول وهو كالمقدمة للخيال، والخيال كالمقدمة للعقل - انتهى كلام الغزالي رحمه الله تعالى عن نقل الأصفهاني في تفسيره عنه - والله أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٥٢
ولما كان المعنى بناء على ما تقدم من صفة الروح الإلهي : فهديناك به، عطف
٦٥٦
عليه قوله تعالى :﴿وإنك لتهدي﴾ أي تبين وترسد، وأكده لإنكارهم ذلك ﴿إلى صراط﴾ أي طريق واضح جداً، وإن عانيت في البيان مشقة بنفسك وبالوسائط بما أفادته التعدية بـ " إلى " فيفهم من ذلك أنه يهدي للصراط بدون ذلك من العناية لمن يسر الله أمره ويهدي الصراط لمن هو أعظم توفيقاً من ذلك ﴿مستقيم﴾ أي شديد التقوم لأنه كأنه يريد أن يقوم نفسه فهو بعد وجود تقومه حافظ لها من أدنى خلل، وهو كل ما دعا إليه من خصال هذا الدين الحنيف الذي هو ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم أبدل منه تعظيماً لشأنه قوله بدل كل معرفة من نكرة لافتاً القول من مظهر والنقمة ترغيباً وترهيباً :﴿صراط الله﴾ أي الملك الأعظم الجامع لصفات الكمال، ثم وصفه بأنه مالك لما افتتح هذا الكلام بأن له ملكه فقال :﴿الذي له﴾ ملك ﴿ما في السماوات﴾ أي هو جميع السماوات التي هي في عرشه والأرض لأنها في السموات وما في ذلك من المعاني والأعيان ﴿وما في الأرض﴾.