ولما كان الدليل على تطابق الأرضي دقيقاً وحدها فقال :﴿والأرض﴾ أي على ما فيها من المنافع ﴿وما بينهما﴾ أي النوعين وبين كل واحدة منها وما يليها ﴿لاعبين﴾ أي على ما لنا من العظمة التي يدرك من له أدنى عقل تعليها عن اللعب لأنه لا يفعله إلا ناقص، ولو تركنا الناس يبغي بعضهم على بعض كما تشاهدون ثم لا نأخذ لضعيفهم بحقه من قويهم لكان خلقنا لهم لعباً، بل اللعب أخف منه، ولم نكن على ذلك التقدير مستحقين لصفة القدوسية، فإنه " لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها بالحق من قويها غير متعتع " - رواه ابن ماجة عن أبي سعيد وابن جميع في معجمه عن جابر، وصاحب الفردوس عن أبي موسى رضي الله عنهم رفعوه، وهو شيء لا يرضى به لنفسه أقل حكم الدنيا، فكان هذا برهاناً قاطعاً على صحة الحشر ليظهر هناك الفصل بالعدل والفضل.
ولما كان أكثر الخلق لا يعلم ذلك لعظمته عن النظر في دليله وإن كان قطعياً بديهيّاً.
﴿ولكن أكثرهم﴾ أي أكثر هؤلاء الذين أنت بين أظهرهم وهم يقولون :﴿إن هي إلا موتتنا الأولى﴾ وكذا من نحا نحوهم ﴿لا يعلمون﴾ أي أنا خلقنا الخلق بسبب إقامة الحق فهم لأجل ذلك يجترئون على المعاصي ويفسدون في الأرض لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً، ولو تذكروا ما ركزناه في جبلاتهن لعلموا علماً ظاهراً أنه الحق الذي لا معدل عنه كما يتولى حكمها المناصب لأجل إظهار الحكم بين رعاياهم، ويشرطون الحكم بالحق، ويؤكدون على أنفسهم أنهم لا يتجاوزونه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٧٨
ولما كان كأنه قيل : إنا نرى أكثر المظلومين يموتون بمرير غصصهم مقهورين، وأكثر الظالمين يذهبون ظافرين بمطالبهم مسرورين، فمتى يكون هذا الحق ؟ قال جواباً لذلك مؤكداً لأجل
٧٩


الصفحة التالية
Icon