" ولما كان السياق للمتقين، فكان ربما ظن أن هذا الذي فعل بهم حق لهم لا بد ولا محيد عنه، بين أن الأمر على غير ذلك، وأنه سبحانه لو واخذهم ولم يعاملهم بفضله وعفوه لهلكوا، فقال :﴿فضلاً﴾ أي فعل بهم ذلك لأجل الفضل، ولذلك عدل عن مظهر العظمة فقال تعالى :﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بكمال إحسانه إلى اتباعك إحساناً يليق بك، قال الرازي في اللوامع : أصل الإيمان رؤية الفضل في جميع الأحوال، ولما عظمه تعالى بإظهار هذه الصفة مضافة إليه ﷺ، زاد في تعظيمه بالإشارة بأداة البعد فقال :﴿ذلك﴾ أي الفضل العظيم الواسع ﴿هو﴾ أي خاصة ﴿الفوز﴾ أي الظفر بجميع المطالب ﴿العظيم﴾ الذي لم يدع جهة الشرف إلا ملأها.
ولما قدم سبحانه في هذه السورة ما للقرآن من البركة بما اشتمل عليه من البشارة والندارة والجمع والفرق، وذكرهم بما يقرون به من أنه مبدع هذا الكون مما يستلزم إقرارهم بتوحيده المستلزم لأنه يفعل ما يشاء من إرسال وإنزال وتنبيه وبعث وغير ذلك، وهددهم بما لا يقدر عليه غيره من الدخان والبطشة، وفعل بعض ذلك، وذكرهم بما يعرفون من أخبار من مضى من قروم القرون وأنهم مع ذلك كله أنكروا البعث، ثم ذكر ما يقتضي التحذير والتبشير - كل ذلك في أساليب فأتت كل المدى، فأعجزت جميع القوى، مع ما لها من المعاني الباهرة، والبدائع الزاهرة القاهرة، سبب عن قوله فذلكة للسورة :﴿فإنما يسرناه﴾ أي جعلنا له يسراً عظيماً وسهولة كبيرة.
ولما كان الإنسان كلما زادت فصاحته وعظمت بلاغته، كان كلامه أبين وقوله أعذب وأرصن وأرشق وأمتن، وكان ﷺ أفصح الناس وأبعدهم لذلك من التكلف، أضافه إليه فقط فقال :﴿بلسانك﴾ أي هذا العربي المبين وهم عرب تعجبهم الفصاحة
٨٦