ولما ذكر سبحانه بالنظر في آيات الآفاق، أتبعها آيات الأنفس فقال :﴿وفي خلقكم﴾ أي المخالف لخلق الأرض التي أنتم منها بالاختيار والعقل والانتشار والقدرة على السار والضار ﴿وما يبث﴾ أي ينشر ويفرق بالحركة الاختيارية بثاً على سبيل التجد والاستمرار ﴿من دآبة﴾ مما تعلمون ومما لا تعلمون بما في ذلك من مشاركتكم في الحركة بالاختيار والهداية للمنافع بإدراك الجزئيات ومخالفتكم في الصورة والعقل وإدراك الكليات وغير ذلك من مخالفة الأشكال والمنافع والطبائع ونحوها ﴿آيات﴾ أي على صفات الكمال ولا سيمنا العزة والحكمة، وهي على قراءة حمزة والكسائي ويعقوب بالنصب هنا، وفي الذي بعده عطف الآيتين على حيز إن في الآية الأولى من الاسم والخبر، فلهذه الآية نظر إلى التأكيد، وهو على قراءة الجماعة مبتدأ بالعطف على " إن " وما في حيزها، وهي أبلغ لأنها تشير إلى أن ما في تصوير الحيوان وجميع شأنه من عجيب الصنع ظاهر الدلالة على الله فهو بحيث لا ينكره أحد، فهو غني عن التأكيد، ويجوز أن تكون الآية على قراءة النصب من الاحتباك : حذف أولاً الخلق بما دل عليه ثانياً، وثانياً ذوات الأنفس بما دل عليه من ذوات السماوات أولاً.
٩٠
ولما كانت آيات الأنفس أدق وأدل على القدرة والاختيار بما لها من التجدد والاختلاف، قال :﴿لقوم﴾ أي فيهم أهلية القيام بما يحاولونه ﴿يوقنون *﴾ أي يتجدد لهم العروج في درجات الإيمان إلى أن يصلوا إلى شرف الإيقان، فلا يخالطهم شك في وحدانيته ؛ قال الحرالي في تفسير ﴿أو كالذي مر على قرية﴾ : آية النفس منبهة على آية الحس، وآية الحس منبهة على آية النفس، إلا أن آية النفس أعلق، فهي لذلك أهدى، غاية آية الآفاق الإيمان، وغاية آية النفس اليقين.