ولما أخبر عما لمن أعرض عن الآيات بما هو أجل موعظة وأردع زاجر عن الضلال، قال مشيراً إلى ما افتتح به الكلام من المتلو الذي هذا منه :﴿هذا﴾ أي التنزيل المتلو عليكم ﴿هدى﴾ أي عظيم جداً بالغ في الهداية كامل فيها، فالذين اهتدوا بآيات ربهم لأنهم - لم يغتروا بالحاضر لكونه زائلاً فاستعملوا عقولهم فآمنوا به لهم نعيم مقيم ﴿والذين كفروا﴾ أي ستروا ما دلتهم عليهم مرائي عقولهم به - هكذا كان الأصل، ولكنه نبه على أن كل جملة من جمله، بل كل كلمة من كلماته دلالة واضحة عليه سبحانه فقال :﴿بآيات ربهم﴾ أي وهذه التغطية بسبب التكذيب بالعلامات الدالة على وحدانية المحسن إليهم فضلوا عن السبيل لتفريطهم في النظر لغروهم بالحاضر الفاني ﴿لهم عذاب﴾ كائن ﴿من رجز﴾ أي عقاب قذر شديد جداً عظيم القلقلة وةالاضطراب متتابع الحركات، قال القزاز، الرجز والرجس واحد ﴿أليم *﴾ أي بليغ الإيلام، الآية من الاحتباك : ذكر الهدى أولاً دليلاً على الضلال ثانياً، والكفر والعذاب ثانياً دليلاً على ضدهما أولاً، وسره أنه ذك رالسبب المسعد ترغيباً فيه، والشمقى ترهيباً منه.
ولما ذكر سبحانه وتعالى صفة الربوبية، ذكر بعض آثارها وما فيها من أياته، فقال مستأنفاً دالاً على عظمتها بالاسم الأعظم :﴿الله﴾ أي الملك الأعلى المحيط بجميع
٩٤
صفات الكمال.
ولما كان آخر الآيات التي قدمها الرياح، ذكر ما يتصرف بتسييرها فقال :﴿الذي سخر﴾ أي وحده منغير حول منكم في ذلك بوجه من الوجوه ﴿لكم﴾ أيها الناس بربكم وفاجركم ﴿البحر﴾ بما جعل فيه مما لا يقدر عليه إلا واحد لا شريك له فاعل بالاختيار من القبلية للسير فيه بالرقة والليونة والاستواء مع الريح الموافقة وأنه يطفوا عليه ما كان من الخشب مع ما علم من صنعته على هذا الوجه الذي تم به المراد ﴿لتجري الفلك﴾ أي السفن ﴿فيه بأمره﴾ ولو كانت موقرة بأثقال الحديد الذي يغوص فيه أخف شيء منه كالإبرة وما دونها.


الصفحة التالية
Icon