ولما صح أنه لا شريك له في شيء من الخلق لا من الذوات ولا من المعاني، حسن جداً قوله، مؤكداً لأن عملهم يخالفه :﴿إن في ذلك﴾ أي الأمر العظيم وهو تسخيره لنا كل شيء في الكون ﴿لآيات﴾ أي دلالات واضحات على أنهم في الالتفات إلى غيره في ضلال مبين بعد تسخيره لنا ما لنا من الأعضاء والقوى على هذا الوجه البديع مع أن من هذا المسخر لنا ما هو أقوى منا ﴿لقوم﴾ أي ناس فيهم أهلية للقيام بما يجعل إليهم ﴿يتفكرون *﴾ أنه المتوحد باستحقاق الإلهية فلا يشركون به شيئاً.
ولما علمت دلائل التوحيد على وجه علم منه أنه قد بسط نعمه على جميع خلقه طائعهم وعاصيهم، فعلمت بواسطة ذلك الأخلاق الفاضلة والأفعال الحميدة، وكان على المقبل عليه المحب له التخلق بأوصافه، أنتج قوله مخاطباً لأفهم خلقه عنه وأطوعهم له الذي الأوامر إنما هي له من شدة طواعته تكوين لا تكليف :﴿قل﴾ أي بقالك وحالك ﴿للذين آمنوا﴾ أي ادعوا التصديق بكل ما جاءهم من الله : اغفروا تسنناً به من أساء إليكم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٩٥
ولما كان هذا الأمر في الذروة من اقتضاء الإحسان إلى المسيء فكيف بالصفح عنه، كان كأنه علة مستقلة في الإقبال عليه والقبول منه والإعراض عن مؤاخذة المسيء، فإن ذلك يقدح في كمال الإقبال عليه مع أن من كان يريد هو سبحانه الانتقام منه فهو يكفي أمره، ومن لم يرد ذلك منه فلا حيلة في كفه بوجه فالاشتغال به عبث فنبه على ذلك بأن جعل جواب الأمر قوله :﴿يغفروا﴾ أي يستروا ستراً بالغاً.


الصفحة التالية
Icon