ولما كان ربما جوزي جميع الجناة، وربما عفي عن بعضهم بالتوبة عليه أو غيرها تفضلاً لحكم أخرى ويثاب المظلوم عل ىظلامته لمثل ذلك قال :﴿قوماً﴾ أي من الجناة وإن كانوا في غاية العلو الكبرياء والجبروت ومن المجني عليهم وإن كانوا في غاية الضعف ﴿بما﴾ أي بسبب الذي ﴿كانوا﴾ أي في جبلاتهم وأبرزوه إلى الخارج ﴿يكسبون *﴾ أي يفعلون على ظن أنه ينفعهم أو بسبب كسبهم من خير أو شر، والحاصل أنه تعالى يقول : أعرض عمن ظلمك وكل أمره إليّ فإني لا أظلمك ولا أظلم أحداً، فسوف أجزيك على صبرك أجزيه على بغيه وأنا قادر، وأفادت قراءة أبي جعفر الإبلاغ في تعظيم الفاعل وأنه معلوم، وتعظيم ما أقيم مقامه وهو الجزاء بجعله عمدة مسنداً إليه لأن عظمته على حسب ما أقيم مقامه، فالتقدير لكون الفعل يتعدى إلى مفعولين كما قال تعالى ﴿وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً﴾ [الدهر : ١٢] ليجزي الملك الأعظلم الجزاء الأعظم من الخير للمؤمن والشر للكافر قوماً، فجعل الجزاء كالفاعل وإن كان مفعولاً كما جعل " زيد " فاعلاً في مات زيد وإن كان مفعولاً في المعنى : تنبيهاً على عظيم تأثير الفعل فإنه لا انفكاك عنه لأنه يجعل متمكناً من المجزي تمكن المجزي من جزائه ومحيصاً به لأن الله تعالى بعظم قدرته يجعل عمل الإنسان نفسه جزاء له، قال الله تعالى ﴿سيجزيهم وصفهم﴾ [الأنعام : ١٣٩] بما كانوا يعملون، ويجوز أن يكون النائب عن الفاعل ضمير " الذين " بالنظر إلى لفظه فيكون المعنى : سجيزي الذين آمنوا ناساً كانوا أقوياء على القيام في أذاهم بسبب أذاهم لهم فيجعل كلاًّ منهم فداء لكل منهم من النار، وربما رأوا بعض آثار ذلك في الدنيا، روى مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :"ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما
٩٧
تواضع أحد إلا رفعه الله عز وجل ".


الصفحة التالية
Icon