ولما علم بهذه الحكم ما افتتحت به السورة من أن منزل هذا الكتاب عزيز حكيم، فكان التقدير فذلكة لذلك : لفقد آتيناك الكتاب والحكم والنبوة وفضلناك وأمتك على العالمين وأرسلناك لتنبه الناس على ما أمامهم وكان قومه بعد ائتلافهم على الضلال قد اختلفوا بهذا الكتاب الذي كان ينبغي لهم أن يشتد اجماعهم به واستنصارهم من أجله، عطف عليه مسلياً قوله :﴿ولقد آتينا﴾ أي على ما لنا من العظمة والقدرة الباهرة ﴿بني إسرائيل﴾ نبي الله ابن عمكم إسحاق نبي الله ابن أبيكم إبراهيم خليل الله عليهم الصلاة والسلام ﴿الكتاب﴾ الجامع للخيرات وهو يعم التوارة والإنجيل والزبور وغيرها مما أنزل على أنبيائهم ﴿والحكم﴾ أي العلم والعمل الثابتين ثبات الاحكام بحيث لا يتطرق إليهما فساد بما للعلم من الزينة بالعمل، وللعمل من الإتقان بالعلم ﴿والنبوة﴾ التي تدرك بها الأخبار العظيمة التي لا يمكن اطلاع الخلق عليها بنوع اكتساب منهم، فأكثرنا فيهم من الأنبياء ﴿ورزقناهم﴾ بعظمتنا لإقامة أبدانهم ﴿من الطيبات﴾ من المن والسلوى وغيرهما من الأرزاق اللدنية وغيرها ﴿وفضلناهم﴾ بما لنا من العزة ﴿على العالمين﴾ وهم الذين تحقق إيجادنا لهم في زمانهم وما قبله فإنا آتيناهم من الآيات المرئية والمسموعة وأكثرنا فيهم من الأنبياء ما لم نفعله لغيرهم ممن سبق، وكل ذلك فضيلة ظاهرة ﴿وآتيناهم﴾ مع ذلك ﴿بينات من الأمر﴾ الموحى به إلى أنبيائهم من الأدلة القطعية والأحكام والمواعظ المؤيدة بالمعجزات، ومن صفات الأنبياء الآتين بعدهم وغير ذلك مما هو في غاية الوضوح لمن قضينا بسعادته، وذلك أمر يقتضي الألفة والاجتماع وقد كانوا متفقين وهم في زمن الضلال لا يختلفون إلا اختلافاً يسيراً لا يضر مثله ولا يعد اختلافاً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٩٨


الصفحة التالية
Icon