ولما كان التقدير بعد هذا البيان الذي لم يدع لبساً في أمر الحساب بما حده من الملك الذي يوجب ما له من العظمة والحكمة أن يحاسب عبيده لثواب المحسن وعقاب المسيء : أعلم هؤلاء المخاطبون - لأنهم لا يعدون أن يكونوا من الناس أو من الذين يوقنون بهذه البصائر لما لهم من حسن الغرائز المعلية لهم عن حضيص الحيوان إلى أوج الإنسان أنا نفرق بين المسيئين الذين بعضهم أولياء بعض وبين
١٠١
المحسنين الذين نحن أولياؤهم، عطف عليه سبحانه وتعالى قوله :﴿أم﴾ قال الأصبهاني : قال الإمام : كلمة وضعت للاستفهام عن شيء حال كونه معطوفاً على آخر سواء كان المعطوف مذكوراً أو مضمراً - انتهى.
وكان الأصل : حسبوا، ولكنه عدل عنه للتنبيه على أن ارتكاب السوء معم للبصيرة مضعف للعقل كما أفاده التعبير بالحسبان كما تقدم بيانه في البقرة فقال :﴿حسب الذين اجترحوا﴾ أي فعلوا بغاية جهدهم ونزوع شهواتهم ﴿السيئات أن نجعلهم﴾ مع ما لنا من العظمة المانعة من الظلم المقتضية للحكمة ﴿كالذين آمنوا وعملوا﴾ تصديقاً لإفرارهم ظاهراً وباطناً وسراً وعلانية ﴿الصالحات﴾ بأن نتركهم بلا حساب للفصل بين المحسن والمسيء.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠١
ولما كانت المماثلة مجملة، بينهما اشتئنافاً بقوله مقدماً ما هو عين المقصود من الجملة الأولى :﴿سواء﴾ أي مستو استواء عظيماً ﴿محياهم ومماتهم﴾ أي حياتهم وموتهم وزمان ذلك ومكانه ف يالارتفاع والسفول واللذة والكدر وغير ذلك من الأعيان والمعاني.
ولما كان هذا مما لا يرضاه أحد لمن تحت يده ولا يغيره، قال معبراً بمجمع الذم :﴿ساء ما يحكمون *﴾ أي بلغ حكمهم هذا في نفسه ولا سيما وهم بإصرارهم عليه في تجديد له كل ساعة أقصى نهايات السوء، فهو مما يتعجب منه، لأنه لا يدري الحامل عليه، وذلك أنه نسبوا الحكيم الذي لا حكيم في الحقيقة غيره إلى ما لا يفعله أقل الناس فيمن تحت يده.


الصفحة التالية
Icon