ولما دل على قدرته على الإعادة بهذا الدليل الخاص الذي تقديره : فالله الذي ابتدأ خلقكم من الأرض على هذا الوجه قادر على إعادتكم، عطف عليه دليلاً آخر جامعاً فقال تعالى :﴿ولله﴾ أي الملك الأعظم وحده ﴿ملك السموات﴾ كلها ﴿والأرض﴾ التي ابتدأكم منها، ومن تصرف في ملكه بشيء من الأشياء، كان قادراً على مثله ما دام ملكاً.
ولما كان التقدير : له ملك ذلك أبداً، فهو يفعل فيه اليوم ما تشاهدون مع رفع هذا وخفض هذا، فلو أن الناس سلموا لقضائه لوصلوا إلى جميع ما وصلوا إليه بالبغي والعدوان، فإنه لا يخرج شيء عن أمره ولكن أكثر الناس اليوم في ريبهم يترددون، بنى عليه قوله تعالى :﴿ويوم تقوم الساعة﴾ أي توجد وتتحقق تحقق القائم الذي هو على كمال تمكنه وتمامه أمره الناهض بأعباء ما يريد، وكرر سبحانه للتهويل والتأكيد قوله :﴿يومئذ﴾ أي إذا تقول يخسرون - هكذا كان الأصل، ولكنه قال للتعميم والتعليق بالوصف :﴿يخسر المبطلون *﴾ أي الداخلون في الباطل العريقون في الاتصاف به، الذين كانوا لا يرضون بقضائي فيستعجلون فيتوصلون إلى مراداتهم بما لم آمر به، ولا يزالون يبغون إلى أن يأتي الوقت الذي قدرت وصلوهم إليها فيه، فيصلون ويظنون أنهم وصلوا بسعيهم، وأنهم لو تركوا لما كان لهم ذلك فيخسروا لأجل سعيهم بما جعلت لهم من الاختيار بمرادي فيهم على خلاف أمري، خسارة مستمرة التجدد لا انفكاك لهم عنها ويفوز المحقون.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٥
ولما كان ذلك من ِأن اليوم مهولاً، عم في الهول بقوله مصوراً لحاله :﴿وترى﴾ أي في ذلك اليوم ﴿كل أمة﴾ من الأمم الخاسرة فيها والفائزة ﴿جاثية﴾ أي مجتمعة لا
١٠٧
يخلطها غيرها، وهي مع ذلك باركة على الركب رعباً واستيفازاً ملا لعلها تؤمر به، جلسة المخاصم بين يدي الحاكم، ينتظروا القضاء الحاتم، والأمر الجازم اللازم، لشدة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم.