ولما أثبت سبحانه بعده بإثبات الآيات المرئية والمسموعة وإعزاز أوليائه وإدلال أعدائه من غير مبالاة بشيء ولا عجز عن شيء مع الإحاطة التامة بكل شيء قدرة وعلماً، تسبب عن ذلك حتماً قوله تعالى :﴿فللّه﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بجميع صفات الكمال.
ولما أبان سبحانه أن ذلك ثابت له لذاته لا لشيء آخر، أثبت أنه لا بالإحسان والتدبير فقال تعالى :﴿رب السماوات﴾ أي ذات العلو والاتساع والبركات.
ولما كان السياق لإثبات الاختصاص بالكمال، وكانوا قد جعلوا له سبحانه ما دل على أنهم لا شبهة لهم في عبادتهم بحصر أمرهم في الهوى، أعاد ذكر الرب تأكيداً وإعلاماً أن له في كل واحد من الخافقين أسراراً غير ما له في الآخر، فالتربية متفاوتة بحسب ذلك، وأثبت العاطف إعلاماً بأن كمال قدرته في ربوبيته للأعلى والأسفل على حد سواء دفعاً لتوهم أن حكمه في الأعلى أمكن لتوهم الاحتياج إلى مسافة فقال تعالى :﴿ورب الأرض﴾ أي ذات القبول للواردات.
ولما خص الخافقين تنبيهاً على الاعتبار بما فيهما من الآيات لظهورها، عم تنبيهاً على أن له وراء ذلك من الخلائق ما لا يعلمه إلا لله سبحانه وتعالى فقال مسقطاً العاطف لعدم الاحتياج إليه بعد إثبات استواء الكونين الأعلى والأسفل في حكمه من حيث العلم والقدرة للتنزه عن المسافة، وذلك لا يخرج عنه شيء من الخلق لأنه إما أن يكون علوياً أو سفلياً ﴿رب العالمين *﴾ فجمع ما مفرده يجل على جميع الحوادث لأن العالم ما سوى الله.
تنبيهاً على أصنافه وتصريحاً بها وإعلاماً بأنه أريد به مدلوله المطابقي لا البعض بدلالة التضمن، وأعاد ذكر الرب تنبيهاً على أن حفظه للخلق وتربيته لهم ذو ألوان بحسب شؤون الخلق، فحفظه لهذا الجزء على وجه يغاير حفظه لجزء آخر، وحفظه للكل من حيث هو كل على وجه يغاير حفظه لكل جزء على حدته، مع أن الكل بالنسبة إلى تمام القدرة على حد سواء.