ولما كان الدليل أحد شيئين : سمع وعقل، قال تعالى :﴿ائتوني﴾ أي حجة على دعواكم في هذه الأصنام أ، ها خلقت شيئاً، أو أنها تستحق أن تعبد ﴿بكتاب﴾ أي واحد يصح التمسك به، لا أكلفكم إلى الإتيان بأكثر من كتاب واحد.
ولما كانت الكتب متعددة ولم يكن كتاب قبل القرآن عاماً لجميع ما سلف من الزمان، أدخل الجابر فقال تعال :﴿من قبل هذا﴾ أي الذي نزل عليّ كالتوراة والإنجيل والزبور، وهذا من أعلام النبوة فإنها كلها شاهدة بالوحدانية، لو أتى بها آت لشهدت عليه.
ولما ذكر الأعلى الذي لا يجب التكليف إلا به، وهو النقل القاطع، سهل عليهم فنزل إلى ما دونه الذي منه العقل، وأقنع منه ببقية واحدة ولو كانت أثراً لا عيناً فقال :﴿أو أثارة﴾ أي بقية رسم صالح للاحتجاج، قال ابن برجان : وهي البقية من أثر كل شيء يرى بعد ذهابه وحال رؤيته بأثرها خلق عن سلف يتحدثون بها في آثارهم، قال البغوي : وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية.
﴿من علم﴾ أي قطعي بضرورة أو تجربة أو مشاهدة أو غيره ولو ظناً يدل على ما ادعيتم فيهم من الشركة.
ولما كان لهم من النفرة من الكذب واستشناعه واستبشاعه واستفظاظه ما ليس لأمة من الأمم، أشار إلى تقريعهم بالكذب إن لم يقيموا دليلاً على دعواهم بقوله تعالى :﴿إن كنتم﴾ أي بما هو لكم كالجبلة ﴿صادقين *﴾ أي عريقين في الصدق على ما تدعون لأنفسكم.
ولما أبطل سبحانه وتعالى قولهم في الأصنام بعدم قدرتها على إتيان شيء من ذلك لأنها من جملة مخلوقات في الأصل، أتبعه إبطاله بعدم علمها ليعلم قطعاً أنهم أضل الناس حيث ارتبطوا في أجل الأشياء - وهو أًول الدني - بما لا دليل عليه أصلاً،
١١٧