ولما بين أنهم في غاية السفه في عبادة ما لا دليل بوجه على عبادته، أتبعه بيان أنهم في غاية الغباوة بإنكار ما لا شيء أبين منه، فقال عاطفاً على ﴿والذين كفروا عما أنذروا معرضون﴾ :﴿وإذا تتلى﴾ أي تقرأ من أي قارئ كان على وجه المتابعة ﴿عليهم آياتنا﴾ أي التي لا أعظم منها ف يأنفسها وبإضافتها إلينا ﴿بينات﴾ لا شيء أبين منها قالوا - هكذا كان الأصل ولكنه بين الوصف الحامل لهم على القول فقال :﴿قال الذين كفروا﴾ أي ستروا تلك الأنوار التي أبرزتها تلك التلاوة لها - هكذا كان الأصل ولكنه قال :﴿للحق﴾ أي لأجله ﴿لما﴾ أي حين ﴿جاءهم﴾ بيانها لأنها مع بيانها لا شيء أثبت منها وأنهم بادروا أول سماعهم لها إلى إنكارها دون تفكر :﴿هذا﴾ أي الذي تلي ﴿سحر﴾ أي خيال لا حقيقة له ﴿مبين *﴾ أي ظاهر في أنه خيال، فدل قولهم هذا - بمبادرتهم إليه من غير تأمل أصلاً، وبكونه أبعد الأشياء عن حقيقة ما قيل فيه - على أنهم أكثر الناس عناداً وأجرؤهم على الكذب وهم يدعون أنهم أعرق الناس في الإنصاف وألزمهم للصدق.
ولما دلت هذه الآيات بعظيم حججها وزخار ما أغرق من لججها، على أن ما يدينون به أوهى من الخيال، وأن هذاالكتاب في صدقه وكل شيء من أمره أثبت من الجبال، فكانوا أجدر الخلق بأن يقولوا : رجعنا عما كنا فيه وآمنا، كان موضع أن يقال : هل أقروا بأنك صادق في نسبة هذا الكتاب إلى الله، فعادله بقوله دليلاً عليه :﴿أم يقولون﴾ مجددين لذلك متابعين له ﴿افتراه﴾ أي تعمد كذبه، فيكون ذلك من قولهم عجباً لأنه قول مقرون بما يكذبه ويبطله كما يأتي في تقريره.
ولما كان كأنه قيل : إنهم ليقولون ذلك، وقد قرحوا القلوب به فماذا يردهم عنه ؟ قيل :﴿قل﴾ ما هو أشد عليهم من وقع النبل، وهو ما يرد ما رموك به عليهم بحجة هي أجلى من الشمس في الظهيرة صحواً ليس دونها سحاب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١١٩
ولما كان من عادة الملوك أنه
١١٩