لما يحملانه عليه من نتائج الشهوات ونوازع الغضب والبطالات، عبر بما يدل على القحط والشؤم والضيق تنبيهاً على ذلك، فقال شارحاً للستواء ومعبراً عنه :﴿وبلغ أربعين سنة﴾ فاجتمع أشده وتم حزمه وجده، وزالت عنه شرة الشباب وطيش الصبا ورعونة الجهل، ولذلك كان هذا السن وقت بعثة الأنبياء، وهو يشعر بأن أوقات الصبى أخف في المؤاخذة مما بعدها وكذا ما بين أول الأشد والأربعين ﴿قال﴾ إن كان محسناً قابلاً لوصية ربه :﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ بالإجياد وتيسير الأبوين وغيرهما وتسخيره ﴿أوزعني﴾ أي اجعلني أطيق ﴿أن أشكر نعمتك﴾ أي وازعاً للشكر أي كافاً مرتبطاً حتى لا يغلبني في وقت من الأوقات، وذلك الشكر بالتوحيد في العبادة كما أنه يوحد بنعمة الإيجاد والترزيق، ووحدها تعظيماً للأمر بالإشارة إلى أن النعمة الواحدة لا يبلغ شكرها إلا بمعونة الله مع أن ذكر الأبوين يعرف أن المراد بها الجنس.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٢٦
ولما كان ربما ظن ظان أن المراد بنعمته قدرته على الإنعام ليكون المعنى : أن أشكر لك لكونك قادراً على الإنعام، قال :﴿التي أنعمت عليّ﴾ أي بالفعل لوجوب ذلك عليّ لخصوصه بي ﴿وعلى والديّ﴾ ولو بمطلق الإيجاد والعافية في البدن، لأن النعمة عليهما نعمة عليّ، وقد مضى في النمل ما يتعين استحضاره هنا ولما كان المقصود الأعظم من النعمة الماضية نعمة الإيجاد المراد من شكرها التوحيد، أتبعها تمام الشكر فقال، ﴿وأن أعمل﴾ أي أنا في خاصة نفسي ﴿صالحاً﴾.
ولما كان الصالح في نفسه قد يقع الموقع لعدم الإذن فيه قال :﴿ترضاه﴾ والتنكير إشارة إلى العجز عن بلوغ الغاية فإنه لن يقّدر الله حق قدره أحد.


الصفحة التالية
Icon