ولما ذكر سبحانه هذا المحسن بادئاً به لكون المقام للأحسان، أتبعه المسيء المناسب لمقصود السورة المذكور صريحاً في مطلعها فقال تعالى :﴿والذي قال لوالديه﴾ مع اجتماعهما كافراً فنعمهما نابذاً لوصيتنا بهما فكان كافراً بنعمة أعظم منعم محسوس بعد الكفر بنعم أعظم منعم مطلقاً، والتثنية مشيرة إلى أنه أغلظ الناس كبداً،
١٢٩
لأن العادة جرت بقبول الإنسان كلام أصله ولو كان واحداً، وأن الاجتماع مطلقاً له تأثير فكيف إذا كان والداً :﴿أف﴾ أي تضجر وتقذر واسترذال وتكره مني ولغاتها أربعون - حكاها في القاموس، والمتواتر منها عن القرء ثلاث : الكسر بغير تنوين وهو قراءة الجمهور، والمراد به أن المعنى الذي قصده مقترن بسفول ثابت، ومع التنوين وهو قراءة المدنيين وحفص والمراد به أنه سفول عظيم سائر معالدهر بالغلبة والقهر، والفتح من غير تنوين وهو قراءة ابن كثير وابن عامر ويعقوب، والمراد به اقتران المعنى المقصود بالاشتهار بالعو والانتشار مع الدوام، وقد تقدم في الإسراء عن الحرالي - وهو الحق - أن التأفيف أنهى الأذى وأشده، فإن معناه أن المؤفف به لاخطر له ولا وزن أصلاً، ولا يصلح لشيء بل هو عدم بل العدم خير منه مع أنهى القذر.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٢٩


الصفحة التالية
Icon