الوصف الذي أوجب لهم الجزاء إشارة إلى أن الأمر كان ظاهراً لهم ولكنهم ستروا، أنوار عقولهم فقال :﴿يعرض الذين كفروا﴾ أي من الفريقين المذكورين ﴿على النار﴾ أي يصلون لهبها ويقلبون فيها كما يعرض اللحم الذي يشوى، مقولاً لهم على سبيل التنديم والتقريع والتوبيخ والشتنيع لأنهم لم يذكروا الله حق ذكره عند شهواتهم بل نالوها مع مخالفة أمره سبحانه ونهيه :﴿أذهبتم﴾ في قراءة نافع وأبي عمرو والكوفيين بالإخبار، وقراءة الباقين بالاستفهام لزيادة الإنكار والتوبيخ ﴿طيباتكم﴾ أي لذاتكم باتباعكم الشهوات ﴿في حياتكم﴾ ونفر منها بقوله تعالى :﴿الدنيا﴾ أي القريبة الدنية لأجلها حتى نلتموها ﴿واستمتعتم﴾ أي طلبتم وأوجدتم انتفاعكم ﴿بها﴾ وجعلتموها غاية حظكم في رفعتكم ونعمتكم.
ولما كان ذلك استهانة بالأوامر والنواهي للاستهانة بيوم الجزاء، سبب عنه قوله تعالى :﴿فاليوم تجزون﴾ أي على إعراضكم عنا بجزاء من لا تقدرون التقصي من جزائه بأيسر أمر منه ﴿عذاب الهون﴾ أي الهوان العظيم المجتمع الشديد الذي فيه ذلك وخزي ﴿بما كنتم﴾ جبلة وطبعاً ﴿تستكبرون﴾ أي تطلبون الترفع وتوجدونه على الاستمرار ﴿في الأرض﴾ التي هي لكونها تراباً وموضوعة على الزوال والخراب، أحق شيء بالتواضع والذل والهوان.
ولما كان الاستكبار يكون بالحق لكونه على الظالمين فيكون ممدوحاً، قيده بقوله :﴿بغير الحق﴾ أي الأمر الذي يطابقه الواقع وهو أوامرنا ونواهينا، ودل بأداة الكمال على أنه لا يعاقب على الاستكبار مع الشبهة ﴿وبما كنتم﴾ على الاستمرار ﴿تفسقون *﴾ أي تجددون الخروج عن محيط الطاعة الذي تدعو إليه الفطرة الأولى العقل إلى نوازع المعاصي.