ولما لم يكن إرسالهم بالفعل مستغرقاً لجميع الأزمنة، أدخل الجار فقال :﴿من بين يديه﴾ أي قبله كنوح وشيث وآدم عليه الصلاة والسلام فما كان بدعاً منها ﴿ومن خلفه﴾ أي الذين أتوا من بعده فما كنت أنت بدعاً منهم.
ولما أشار إلى كثرة الرسل، ذكر وحدتهم في أصل الدعاء، فقال مفسراً للإنذار معبراً بالنهي :﴿ألا تعبدوا﴾ أي أيها العباد المنذرون، بوجه من الوجوه، شيئاً من الأشياء ﴿إلا الله﴾ الملك الذي لا ملك
١٣٤
غيره ولا خالق سواه ولا منعم إلا هو، فإني أراكم تشركون به من لم يشركه في شيء من تدبيركم، والملك لا يقر على مثل هذا.
ولما أمرهم ونهاهم، علل ذلك فقال محذراً لهم من العذاب مؤكداً لما لهم من الإنكار لاعتمادهم على قوة أبدانهم وعظيم شأنهم :﴿إني أخاف عليكم﴾ لكونكم قومي وأعز الناس علي ﴿عذاب يوم عظيم *﴾ لا يدع جهة إلا ملأها عذابه، إن أصررتم على ما أنتم فيه من الشرك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣٢
ولما تشوف السامع إلى جوابهم عن هذه الحكمة، أجيب بقوله تعالى :﴿قالوا﴾ أي منكرين عليه :﴿أجئتنا﴾ أي يا هود ﴿لتأفكنا﴾ أي تصرفنا عن وجه أمرنا إلى قفاه ﴿عن آلهتنا﴾ فلا نعبدها ولا نعتد بها.
ولما كان معنى الإنكار النفي، فكان المعنى : إنا لا ننصرف عنها، سببوا عنه قولهم ﴿فأتنا بما تعدنا﴾ سموا الوعيد وعداً استهزاء به.
ولما كان ذلك معناه تكذيبه، زادوه وضوحاً بقولهم معبرين بأداة الشك إشارة إلى أن صدقه في ذلك من فرض المحال :﴿إن كنت﴾ أي كما يقال عنك.
كوناً ثابتاً ﴿من الصادقين *﴾ في أنك رسول من الله وأنه يأتينا بما تخافه علينا من العذاب إن أصررنا.


الصفحة التالية
Icon