سورة محمد
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٤٧
مقصودها التقدم إلى المؤمنين في حفظ حظيرة الدين بإدامة الجهادة للكفار، حتى يلزموهم الصغار، أو يبطلوا ضلالهم كما أصل الله أعمالهم، لا سيما أهل الردة الذين فسقوا عن محيط الدين إلى أودية الضلال المبين، والتزام هذا الخلق الشريف إلى أن تضع الحرب أوزارها بإسلام أهل الأرض كلهم بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وعلى ذلك دل اسمها ﴿الذين كفروا﴾ لأن من المعلوم أن من صدك عن سبيلك قاتلته وأنك إن لم تقاتله كن مثله، واسمعها محمد واضح في ذلك لأن الجهاد كان خلقه عليه أفضل الصلاة والسلام إلى أن توفاه الله تعالى وهو نبي الرحمة بالملحمة لأنه لا يكون حمد وثم نوع ذم كما تقدم تحقيقه في سورة فاطر وفي سبإ وفي الفاتحة، ومتى كان كف عن أعداء الله كان الذم، وأوضح أسمائها في هذا المقصد القتال، فإن من المعلوم أنه لأهل الضلال ﴿بسم الله﴾ الملك الأعظم الذي أقام جنده للذب عن حماه ﴿الرحمن﴾ الذي عمت رحمته تارة بالبيان وأخرى بالسيف والسنان ﴿الرحيم *﴾ الذي خص حزبه بالحفظ في طريق الجنان.
لما أقام سبحانه الأدلة في الحواميم حتى صارت كالشمس، لا يزيغ عنها إلا هالك، وختم بأنه يهلك بعد هذه الأدلة القوم الفاسقون، افتتح هذه بالتعريف بهم فقال سبحانه وتعالى :﴿الذين كفروا﴾ أي ستروا أنوار الأدلة فضلوا على علم ﴿وصدوا﴾ أي امتنعوا بأنفسهم ومنعوا غيرهم لعراقتهم في الكفر ﴿عن سبيل الله﴾ أي الطريق الرحب المستقيم الذي شرعه الملك الأعظم ﴿أضل﴾ أي أبطل إبطَّالاً عظيماً يزيل العين والأثر
١٤٨
﴿أعمالهم *﴾ التي هي أرواحهم المعنوية وهي كل شيء يقصدون به نفع أنفسهم من جلب نفع أو دفع ضر بعد أو وفر سيئاتهم وأفسد بالهم، ومن جملة أعمالهم ما يكيدونكم بهل أنها إذا ضلت عما قصدوا بها بجعله سبحانه لها ضالة ضائعة هلكت من جهة أنها ذهبت في المهالك ومن جهة أنها ذهبت في غير الجهة التي قصدت لها فبطلت منفعتها المقصودة منها فصارت هي باطلة فأذهبوا أنتم أرواحهم الحسية بأن تبطلوا صورهم وأشباحهم بأن تقطعوا أوصالهم وأنتم في غاية الاجتراء عليهم، فإن ربهم الذي أوجدهم قد أبطلهم وأذن لكم في إبطالهم، فإنه قد علم أن لا صلاح لهم والمؤذي طبعاً يقتل شرعاً، فمن قدرتم على قتله فهو محكوم بكفره، محتوم بخيبته وخسره.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٤٨