ولذلك إذا اشتغل البال لم ينتفع من صفات الباطن بشيء، وقد علم أن الآية من الاحتباك : ذكر ضلال الكفار أولاً دليلاً على إرادة الهدى للمؤمنين ثانياً، وإصلاح البال ثانياً دليلاً على حذف إفساده أولاً.
ولما كان الجزاء من جنس العمل، علل ما تقدم من فعله بالفريقين بقوله :﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم الذي ذكر هنا من جزاء الطائفتين ﴿بأن﴾ أي بسبب أن ﴿الذين كفروا﴾ أي ستروا مرائي عقولهم ﴿اتبعوا﴾ أي بغاية جهدهم ومعالجتهم لما قادتهم إليه فطرهم الأولى ﴿الباطل﴾ من العمل الي لا حقيقة له في الخارج يطابقه، وذلك هو الابتداع والميل مع الهوى إيثاراً للحظوظ فضلوا ﴿وأن الذين آمنوا﴾ أي ولو كانوا في أقل درجات الإيمان ﴿اتبعوا﴾ أي بغاية جهدهم متابعين لما تدعو إليه الفطرة الأولى مخالفين لنوازع الشهوات ودواعي الحظوظ على كثرتها وقوتها ﴿الحق﴾ أي الذي له واقع يطابقه وذلك هو الحكمة وهي العمل بموافقة العلم وهو معرفة المعلوم على ما هو عليه ﴿من ربهم﴾ الذي أحسن إليهم بإيجادهم وما سببه من حسن اعتقادهم فاهتدوا.
ولما علم من هذا أن باطن حال الذين كفروا الباطل، وباطن حال الذين آمنوا الحق، وتقدم في البقرة أن المثل هو ما يتحصل في باطن الإدراك من حقائق الأشياء المحسوسة، فيكون ألطف من الشيء المحسوس، وأن ذلك هو وجه الشبه، علم أن مثل كل منالفريقين ماعلم من باطن حاله فمثل الأول الباطل ومثل الثاني الحق،
١٥٠